استفيد هذا الحكم من الروايات منضمة الى الآية المباركة وما ذكره المرحوم الآخوند من إطلاق آية (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) فهو من باب المثال المفروض بمعنى أنَّ الآية المباركة بمعزل عن الروايات تفيد ذلك الحكم وهي تفيد الحكم المذكور في كلامنا بالنظر إلى الروايات.
وصفوة الكلام هي تعين الرجوع إلى الأصل العملي على تقدير انتفاء الاطلاق المقتضي لتسويغ الاضطرار في بعض الوقت في جانب المأمور به الاضطراري،وانتفاء الاطلاق المقتضي لوجوب الاتيان بالمأمور به الاختياري على المتمكن و لو في بعض الوقت في جانب المأمور به الاختياري.فإذا انتفى الاطلاقان تعين الرجوع إلى الأصل العملي،وقد مرَّ أنَّ الأصل العملي في المقام من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير،و أنَّ المأمور به لهذا الشخص إمّا يكون الصلاة الاختيارية و لو في آخر الوقت لتمكنه من صرف الوجود،أو يكون المأمور به الجامع بين الصلاتين أي الجامع بين البدلين،و إنَّ الواجبَ إما يكونُ الصلاة مع التيمم في أول الوقت،أو الصلاة مع الوضوء في آخر الوقت،وتجري اصالة البراءةعن التعيين،ولا تجري اصالة البراءة عن تعلّق الوجوب بالجامع؛لأنَّ رفعه خلاف الامتنان.
ولابد من التعرض لملاحظة قبل تناول الحديث عن كلام المرحوم الكمپاني،وهي عبارة عن عدم التزامنا بالتخيير عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير في جميع الموارد؛لأنَّ الشك في دوران الأمر بين التعيين والتخيير يتصوّر في مقامات ثلاثة،ونحن نلتزم بأصل التخيير في أحدها؛لاقتضاء البراءة،ثبوت التخيير فيه،ونلتزم بالاحتياط في المقامين الاخرين؛والمقامات الثلاثة هي كما يلي:
تارة يتعلق الشك في التعيين والتخيير بمتعلق التكليف الوجوبي المتيقن لنا-كما في المقام-فنشك في أنَّ المتعلق هو الفعل بعينه،كخصوص عتق الرقبة،أم أنَّ متعلَّق الوجوب هو الجامع بين عتق الرقبة واطعام ستين مسكيناً وصيام ستين یوماً؟
وهنا نعلم التكليف الوجوبي ونشك في أنَّ متعلَّقه في مقام الثبوت واعتبار الشارع هو الفعل بعينه،أم أنَّه الجامع بين الفعلين أو الأفعال،والمقام من صغريات هذا المبحث.
واُخرى يتعلّق الشك بالحجية في دوران الأمر بين التعيين والتخيير بلحاظ الحكم الوضعي،لا الحكم التكليفي بأنْ جعل الشارع الحجية،ودار أمرها بين الحجة التخييرية والحجة التعيينية،كما إذا لم يتوفر دليل اجتهادي على وجوب تقليد المجتهد الاعلم،و لم نتمكن من إثبات وجوبه عن دليل اجتهادي واحتملنا أنَّ الشارع لاحظ الاعلمية في من اعتبر قوله وان لم يصل إلينا دليله،فهنا يدور الأمر في الحجة بين التعيين والتخيير،أي يحتمل أنَّ الشارع اعتبر خصوص قول الأعلم ويحتمل عدم اعتبار خصوص قوله و ان المكلف مخير في الأخذ بقول أي من المجتهدين المفروض كون أحدهما أعلم والآخر غير أعلم،وعندئذٍ يكون الاستناد إلى أي من القولين في مقام العمل معذر ومنجز من قبل الشارع.
والمثال الآخر هو الشك في أنَّ التخيير ابتدائي أم استمراري بناء على الالتزام بالتخيير في الخبرين المتعارضين،كما إذا عمل المكلف بخبر من الخبرين المتساويين واحتمل التخيير الابتدائي،وان ما عمل به هو الحجة التعيينية المانعة من العمل بالخبر الآخر،واحتمل التخيير الاستمراري الموجب لجواز العمل بأي من الخبرين وجعله حجة وسنداً،أو كما إذا قلّد أحد المجتهدين المتساويين في شرائط الحجية،واحتمل أنَّ قوله حجة تعيينية مانعة من العدول إلى المجتهد الآخر،واحتمل التخيير الاستمراري في مسألة العدول من مجتهد إلى مجتهد آخر.
و باختصار أقول إنَّ الأصل مراعاة التعيين فيما إذا دار الأمر بين الحجة التعيينية والحجة التخييرية؛لأنّ الحجية بحاجة إلى الاحراز،وهذا هو المبنی في تأسيس الأصل عند الشك في حجية شيء من قبل العلماء كصاحب الكفاية،والشيخ،وغيرهما،والحجية هي المعذرية ليكون الانسان معذوراً في مخالفة التكليف الواقعي أو الاحتجاج ليحتج عليه المولى ويؤاخذه على مخالفة التكليف الواقعي فللحجية طرفان:الطرف الاول لها هو اعتذار العبد الى المولى ليعذره على ما صدر منه،والطرف الثاني لها هو احتجاج المولى على العبد والمؤاخذة على عدم العمل بالحجة،ويعتبر في الحجية الوصول والاحراز ثمَّ إنَّ الشك في إنشاء الحجية من قبل الشارع مساوق للقطع بعدم الحجية الفعلية وانتفاء المعذرية والمنجزية.
وبناء على هذا الأصل يكون ما يحتمل التعيين فيه منجزاً ومعذراً على سبيل القطع؛لأنَّ الأخذ والعمل به منجز على تقدير كون الحجة تعيينية،و يكون الأخذ والعمل به معذراً على تقدير كون الحجة تخييرية،وإما كونها تخييرية فغير معلوم لنا،ونحتمل عدم معذرية ما يحتمل فيه التخيير؛لعدم حجيته فيشك في حجيته؛ولكن ثبوت الاعتذار والاحتجاج بما يحتمل التعيين فيه محرز (ان الشك في الحجية ينافي التكليف،و الحجية حكم وضعي متضمن للاحتجاج والاعتذار،ولابد للمكلف من العلم بالأمن من العقوبة بحكم العقل لأَنَّ دفع الضرر المحتمل واجب والعلم بجعل المعذرية والمنجزية من قبل الشارع موجب لارتياح البال.(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ )
و لا يعلم المكلف ان الشارع جعل ما يحتمل التخيير فيه مؤمِّناً من العقاب أم لا،ولابد له من احراز ذلك؛لأنّ الحجية الفعلية المتضمنة للاعتذار والاحتجاج بحاجة إلى الوصول و الاحراز الفعلي،والشك في حجية ما يحتمل التخيير فيه في الدوران بين التعيين والتخيير موجب لعدم الاعتماد عليه.