وأما بناء على ما سلكناه فلا يعقل التخيير بين الفعلين والفعل الواحد الذي هو أحد الفعلين؛لأنّ الملاك يستوفى بتمامه عند اتيان المكلف بالفعل الاختياري،والمفروض ان وقت الفعل الاختياري موسع وليس بمضيق والمكلف متمكن من ايجاد المطلوب وهو صرف الوجود لطبيعي الصلاة مع الطهارة المائية من حين زوال الشمس إلى غروبها،ولا يعقل ان يتعلق الامر اللزومي بالعِدل الاول للتخيير وهو الاتيان بالاضطراري في اول الوقت وانضمام الفعل الاختياري اليه.
أليس للمكلف أن يترك الاضطراري؟ فلا الزام له على تقدير جواز تركه إذ يجوز له ترك الاختياري في اول الوقت والاتيان به في آخر الوقت متعيناً،ولا وزر على المكلف؛لأنّ أحد عِدلي التخيير،فعل واحد و هل في ترك الفعل الاضطراري في اول وقت الامر،ترخيص أو لا؟فان كان في تركه ترخيص لم يتعلَّق به الامر الالزامي،وان لم يكن في تركه ترخيص فهو خلاف الفرض؛لأنّ المفروض جواز اكتفاء المكلف بفعل واحد؛ولذا التزمنا بامتناع التخيير بين الفعل الواحد والفعلين،ولا يمكن للشارع ان يشرع الفعل الاضطراري في الصورة الثالثة المذكورة في الكفاية بنحو التشريع الالزامي و لو اقتضى اطلاق الدليل تشريع الفعل الاضطراري في أول الوقت بنحو الالزام كتشريع الفعل الاختياري في أول الوقت لكان الاتيان به مجزئاً،والا لم يبقَ وجه للتخيير بين الفعلين والفعل الواحد.
انتهى كلام الآخوند(ره) وما فيه من النظر.
تقدّم أنَّ الامر كاشف عن الملاك الملزم وإلّا كان التشريع لغواً.
انتهى الكلام بنا إلى مرحلة الاصل العملي،وظهر مما تقدّم تعيّن الاخذ بالاطلاق في جانب الفعل الاختياري إذا لم يتوفر اطلاق في دليل الخطاب الاضطراري ليفيد تشريعه في بعض الوقت،ولم يتوفر خطاب آخر يقتضي اطلاقه التسوية بين الاتيان بالفعل الاضطراري حال الاضطرار،والاتيان بالفعل الاختياري في الملاك،ولم نعلم سوى أصل تشريع الفعل الاضطراري عند عدم التمكن من الاختياري،كما إذا علمنا ان المكلف مأمور بالتيمم عند عدم التمكن من تغسيل الميت،ولم يكن في دليله اطلاق على جواز التيمم في الآن الاول من ازهاق الروح عند عدم التمكن من الماء؛ولكن اقتضى الاطلاق في خطاب المأمور به الاختياري كقوله:«غسلُ الميت واجب» أو «غَسِّلوا موتاكم» وجوب الغسل عند التمكن في بعض الوقت كما إذا لم يجد المكلف الماء قبل الظهر وعلم بوجدان الماء بعد الظهر فهنا نحكم بعدم مشروعية التيمم،وبوجوب الغسل ولزوم الانتظار؛لأنّ اطلاق التغسيل في الفعل الاختياري يقتضي ذلك و لو بعد مضي نصف يوم أو يوم من وفاة الميت.
و على أي تقدير نأخذ بالاطلاق في الفعل الاختياري،و أمّا إذا لم يتوفر اطلاق في الخطاب الاضطراري ليقدم على الخطاب الاختياري بالبيان المتقدم ولم يتوفر اطلاق في خطاب الفعل الاختياري فما هو مقتضى الأصل العملي،وما هو حكم الممتثل للفعل الاضطراري؟
أمّا اقتضاء الأصل للبراءة ـ كما ذكره في الكفاية ـ فإنه واضح في فرض،وهو عبارة عما إذا تم الاطلاق الاول للدليل الاضطراري بناء على مسلك الآخوند؟ره؟ كالاطلاق في قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) ولم يتوفر الاطلاق الثاني الذي يستفاد الاجزاء من انضمامه إلى الاطلاق الاول على ما سلكه المرحوم الآخوند،كما إذا ورد الأمر بتيمم الميت عند فقد الماءفي بعض الوقت من دون توفر دليل وخطاب على التسوية،والأمر بالتخيير بين الفعلين والفعل الواحد معقول ،على ما اختاره المرحوم الآخوند وقد تعلّق الأمر بالفعل الاضطراري يقيناً إذ المفروض شمول الاطلاق الاول للاضطرار في بعض الوقت،وعندئذٍ إذا وجد الماء بعد الاتيان بالفعل الاضطراري وشككنا في التكليف بالتغسيل وعدمه بعد أن يمّمنا الميت وكفناه ولم ندفنه «إذ لا يجوز نبش القبر،فالمفروض عدم دفنه» والمفروض انتفاء الاطلاق في المأمور به الاختياري،تعيّن الرجوع إلى الأصل العملي؛لأننا شككنا في التكليف بالتغسيل وهذا شك في أصل التكليف لعدم توفر الدليل الاجتهادي والاطلاق في الفعل الاختياري.