لابد من العثور على حل لهذه المسألة. فإذا قال الشارع: «وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة» وقسّم المكلفين، وحكم بوجوب القصر على المسافر، وبوجوب التمام على الحاضر،وفرضنا ان المكلف الواحد دخل في العنوانين عند دخول الوقت لصلاة واحدة بأن سافر ثم حضر أو كان حاضراً وصار مسافراً، فهنا نتساءل: ان الشارع أجعل في مقام الثبوت وجوبين في حق هذا المكلف الداخل في العنوانين؛ وذلك لتعدد المتعلق بأن جعل الوجوب للقصر في أول الوقت وجعل الوجوب للتمام بعد الحضور أم ليس هناك إلّا وجوباً واحداً في حق المكلّف بلحاظ مقام الثبوت؟
والحل عبارة عن أنَّ الشارع له دأب في الواجبات التخييرية على جعل التكليف للجامع بين الأبدال العرضية في مثل قوله:«اعتق رقبة أو صم ستين يوماً أو أطعم ستين مسكيناً».
وملاك الشارع وغرضه الواحد يحصل بالاتيان بأحدهما،فيجعل الوجوب للجامع بينهما كالجامع في مثل الكلي في المعين لباب البيع،والتكليف يسقط بتحقق أحدها ابتداء.
والكلام نفس االكلام في الأبدال الطولية فإن المطلوب للشارع هو صلاة واحدة في حق المكلف الذي قد يكون مسافراً في أول الوقت وحاضراً في آخر الوقت ويدخل في عنوانين في الوقت،فيجب عليه القصر في السفر،ويجب عليه التمام في الحضر والوجوب يتعلّق بأحدهما على نحو الكلي في المعيّن الخارجي،وهو عبارة عن مصداق القصر في السفر ومصداق التمام في الحضر؛ولذا يسقط التكليف بالاتيان بالقصر في السفر ابتداء ویمتثل التكليف بالاتيان بالتمام إذا حضر في آخر الوقت وترك القصر في السفر؛لأن الوجوب تعلّق بالجامع بينهما لا بكليهما إلّا ان البدلين يقعان في الطول،ولا يجتمعان في زمان واحد؛و لكن لا محذور في ذلك،لأنّ المعتبر في تعلّق التكليف بالجامع هو القدرة على الاتيان بمتعلق التكليف لا القدرة على الاتیان بالابدال في زمان واحد على ما في المعالم.
والامر كذلك في الواجد للماء والفاقد للماء فيجعل الشارع،الوجوب للجامع على تقدير كفاية الصلاة مع التيمم في بعض الوقت،وكفاية الصلاة مع الوضوء في الوقت،ويدور الامر بين الوجوب التعييني لخصوص الصلاة الاختيارية،وبين الجامع بين الصلاتين في مقام الثبوت.
ان المفروض انتفاء الاطلاق في المأمور به الاضطراري لاستفادة تعلق الوجوب بالفعل الاضطراري في بعض الوقت منه،وانتفاء الاطلاق في المأموربه الاختياري لاستفادة تشريع الفعل الاختياري في حق المكلف القادر على الفعل الاختياري و لوفي بعض الوقت من ذلك الاطلاق.
وقد ذكرنا مراراً ان وجود الاطلاق في خطاب المأمور به الاختياري واقتضاءه لوجوب الفعل الاختياري على المكلف المتمكن منه و لو بين الحدين،قد يتقابل مع اطلاق الاضطراري المقتضي لجواز الاتيان بالمأمور به الاضطراري للمكلف المضطر العاجز عن الاختياري ولو في بعض الوقت،وفي هذا الفرض أي عند وجود الاطلاق في الطرفين،يقدّم اطلاق المأمور به الاضطراري. لماذا؟
لأنّ اطلاق المأمور به الاضطراري يقتضي التسوية بين الاتيان بالفعل الاضطراري حال الاضطرار والاتيان بالمأمور به الاختياري.وقد مرّ عدم جواز البدار ـ في كلام المرحوم الآخوند وكلامنا ـ الى الاتيان بالفعل الاضطراري في الصورة الثانية،وهي استيفاء بعض الملاك بالفعل الاضطراري وتفويت البعض الاخر،وكذا في الصورة الثالثة،وهي اشتمال الفعل الاضطراري على بعض المصلحة،ولزوم استيفاء الباقي منها،حيث لا يمكن للشارع تشريع الفعل الاضطراري فيهما؛وذلك لامتناع التخيير بين الفعلين والفعل الواحد فيتعين تعلّق الأمر بالمأمور به الاختياري دون المأمور به الاضطراري ويظهر من ذلك ان اطلاق خطاب الاضطراري المفيد لتعلق الوجوب بالفعل الاضطراري في بعض الوقت بلحاظ مقام الاثبات يكشف عن خروج الصورة الثانية والثالثة المفروضتين في الكفاية من الاطلاق،وان الفعل الاضطراري اما مشتمل على تمام الملاك أو على معظم الملاك بحيث ينتفي لزوم استيفاء الباقي؛ولذا يوجب دلالة الاضطراري على هذا المعنى التقييد في خطاب المأمور به الاختياري؛لأنّ الوجوب تعلق بالفعل الاختياري من جهة الملاك، والمفروض استيفاء تمام الملاك أو معظمه.