ولكن لا يجوز إقحام النفس في الاضطرار على تقدير تساوي قيد الاضطراري أو المأمور به الاضطراري والاختياري في الفراغ لا في الملاك،فمن أراق الماء المعد للوضوء للاتيان بالصلاة مع التيمم فقد عصى و وجب عليه الاتيان بالصلاة مع التيمم،ومن لم يأتِ بالصلاة في الوقت وأخّرها إلى أن بقي من الوقت بمقدار ركعة عصى ووجب عليه الاتيان بها في ذلك الوقت بنية الاداء كمن أدركها،والتسوية هنا في الفراغ،ولا يجوز ادخال النفس في عنوان الاضطرار؛لأنّ ظاهر الدليل في قوله تعالى:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)تفريع الامر بالاضطراري على عدم التمكن،ويعني ذلك أنَّ التكليف منوط بعدم التمكن من الوضوء،ويستظهر منه الترتب،أي على المتمكن الاحتفاظ بما كلّف به،وظاهر الطولية وتفريع الامر الاضطراري على عدم التمكن عدم التسوية لا في الفراغ ولا في الملاك،وهذا بخلاف باب الصلاة عن تقية مع العامة،حيث لم يفرع الامر بالصلاة معهم على عدم التمكن من الصلاة منفرداً.
وهناك روايات تفيد الاحتفاظ بحالة الاختيار في بعض الموارد،ويستظهر الاحتفاظ بها من التفريع على عدم التمكن في لسان جملة من الأدلة،كما هو ظاهر الآية المباركة الواردة في الكفارة: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ) حيث يجب دفع الكفارة الاختيارية عند التمكن ولا يجوز تعجيز النفس عنه.
لم يرد عنوان التقية المداراتية في الروايات،وهي تحبيب العامة وجرّ مودتهم واجتثاث العداوة لغاية التعايش السلمي،وانما ورد في الروايات قولهم(ع) «صلوا معهم واشهدوا جنائزهم»أو«المصلي معهم في الصف الاول كالمستشهد في سبيل الله» أو «كالمجاهد في سبيل الله» و امثال ذلك مما فيه الترغيب.
والحاصل ان التسوية تستفاد في موردين ولا يشترط ان تستظهر التسوية من نفس خطاب المأمور به الاضطراري،بل يكفي استظهارها من دليل آخر،فعلى سبيل المثال تستفاد التسوية في تلك المسألة المعروفة حول وضوء الجبيرة،ويحكم ببقاء وضوء من صلى الظهرين،ورفع الجبيرة قبل الغروب أو بعده،ولم يصدر عنه حدث.لماذا؟
هناك أخبار قائلة بأنّه«لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الاسفلين الذين أنعم الله بهما عليك» وروايات واردة في النوم،وخروج الريح،ومن الممكن اندراجها تحت قوله:«ما خرج من طرفيك الأسفلين» وإطلاق عدم نقض الوضوء يعمّ الوضوء الاختياري والوضوء الاضطراري،من دون فرق بينهما،والحكم واحد فيهما،وهو حصول قيد الصلاة،وهذا هو المراد بالتسوية،والمفروض عدم صدور الحدث في المسألة فتصح الصلاة بالوضوء الاضطراري.
فالمناط هو إفادة دليل الاضطراري وخطابه بنفسه أو إفادة الدليل الخارجي بأنَّ المأمور به الاضطراري حال الاضطراري يساوي الاختياري في الفراغ أو في حصول الملاك،وقد ذكرت الفرق بين حصول الملاك وحصول الفراغ.
وظهر مما تقدم السر في أنَّ من لم يصلِّ في الوقت وأخّر الصلاة متعمداً إلى أنْ بقي مقدار ركعة من وقت الصلاة فقد عصى و وجب عليه الاتيان بالصلاة أداء.
وبعد أن استشهد صاحب الكفاية بآية و رواية مفيدتين للإجزاء قال:«وبالجملة فالمتبع هو الاطلاق» ومعظم المحققين حملوا الاطلاق في كلامه(ره) على الاطلاق في الموردين اللذين ذكرتهما مع الامثلة،فالمتبع هو الاطلاق في الموردين لو كان وان لم يكن إطلاق في دليل الاجزاء فالمرجع الأصل العملي،وهو يقتضي البراءة من الاعادة؛لأنَّ المفروض توجه تكليف واحد لا تكليفين حال الاضطرار إلى المضطر،فهذا الشخص كان مكلفاً بالتكليف بالاضطراري فقط،ولم يكن مكلفاً بالتكليف بالاضطراري والتكليف بالاختياري معا ونشك بعد ارتفاع الاضطرار أنَّ الشخص صار مكلفاً بالمأمور به الاختياري أم لا؟فتجري البراءة عنه،ولو كان المضطر مكلفاً بتكليف آخر حال الاضطرار لاقتضى الاستصحاب بقاءه.
كلامنا في مقام الاثبات،والمتبع هو الدليل اللفظي على تقدير وجوده،والمفروض انتفاؤه،ونحتمل أن يكون المورد من قبيل الصورة الثالثة و وجوب الاختياري في الوقت،أي يحتمل توجه تكليف آخر اليه،وليس من المتیقن أن يتوجه تكليفان إلى الشخص حال الاضطرار في موارد المأمور به الاضطراري،والمرجع عند الشك في توجه التكليف بالاختياري هو البراءة.