ذكر السيد الحكيم(ره) قيد الطبع في تحديد المائع،وانه عبارة عما اقتضى بطبعه استواء سطحه وان لم يحصل إلّا بعد حين.
فأخذ مقدار من المائع يوجب اختراق طبعه المستوي،والميل اليه ثانياً،ولو شيئاً فشيئاً،ولا يقتضي الجامد استواء سطحه بطبعه،فلا يوجب أخذ مقدار منه امتلاء الفراغ،بل يبقى على حاله.
أقول:ان ما التزم به المشهور سديد لا لأجل الشهرة،بل لأنّه المستفاد من الروايات حيث لم يرد عنوان المائع في الروايات حتى يقال بصدقه على العسل في الصيف وذلك لحصول استواء سطحه ولو بعد حين،بل الوارد في الروايات عنوان الذائب في مقابل الجامد،ولا يصدق الذائب عرفاً على العسل في الصيف،وانما يصدق على ما اذا أُخذ منه شيء مالت أجزاؤه الى المكان الخالي منه بسرعة لارتفاع الغلظة عنه،وهذا هو موضوع التنجس التام في النصوص المتقدمة،ويظهر من ذلك أنَّ المراد بالجامد فيها غيرالذائب،وليس المراد به ما بلغت صلابته صلابة الحجر أو الجليد؛ولذا يصدق غير الذائب على ما إذا اُخذ منه شيء بقي مكانه خالياً عند الأخذ وإن امتلأ بعد حين.
حكم ملاقاة النجاسة مع أجزاء البدن المتعرق
مسألة۴:«إذا لاقت النجاسة جزءاً من البدن المتعرق لا يسري إلى سائر أجزائه الا مع جريان العرق».
لا توجب اصابة النجاسة جزءاً من البدن المتعرق سرايتها إلى سائر أجزائه،وهذا الحكم مبني على ما تقدم من اختصاص النجاسة في الجوامد بموضع الملاقاة ولو مع الرطوبة المسرية،وقد استثنى الماتن فرض جريان العرق من الموضع النجس،إلى المواضع الطاهرة،وهذا مما لا تردد فيه،وانما يقع الكلام في نجاسة جميع البدن إذا جرى العرق من الموضع الطاهر الى الموضع النجس.وظاهراً اطلاق الاستثناء في عبارة الماتن نجاسته.
ويتصور ذلك على نحوين:
الأول:ان يتصبب البدن عرقاً ويسيل ببطء من الموضع الطاهر إلى الموضع النجس،ويمكن أن يقال بعدم النجاسة نظراً الى أنَّ العالى لا يتنجس بالسافل،كعدم تنجس العالي من ماء الابريق المصبوب على يد الكافر.
الثاني:أنْ تظهر حبيبات العرق متصلة بعضها ببعض من دون السيلان على البدن،كالماء الراكد المتصل أجزاؤه ولا يبعد أنْ يحكم بنجاسة العرق كله وما اتصل به من البشرة.وقد ورد في الروايات الحكم بتنجس الفخذ الملاقي للعرق النجس.
نعم،لا يحكم بالتنجس فيما إذا كان العرق من قبيل الرطوبة المسرية على الأعضاء من غير أن تتصل قطراته بعضها ببعض.
حكم ماء الابريق المثقوب الموضوع على الأرض النجسة
مسألة ۵: إذا وضع إبريق مملوء ماء على الأرض النجسة و كان في أسفله ثقب يخرج منه الماء؛فإن كان لا يقف تحته،بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها فلا يتنجس ما في الإبريق من الماء،و إن وقف الماء بحيث يصدق اتحاده مع ما في الإبريق بسبب الثقب تنجس،و هكذا الكوز و الكأس و الحب و نحوها.
إنّ المسألة كانت تعمّ بها البلوى في قديم الزمان كثيراً،وقد يبتلى بها في عصرنا أيضاً
وقد ذكر الماتن صورتين لها:
الاُولى:ما إذا كان في أسفل الابريق ثقب يخرج منه الماء ولا يقف تحته،بل يرسب في الأرض النجسة لرخوتها أو يجري عليها،وفي هذا الفرض لايتنجس ما في الابريق من الماء بالرغم من ملاقاة أسفل الابريق للأرض المتنجسة مع الرطوبة المسرية.
الثانية:ما إذا كان ماء الابريق الخارج واقفاً تحته ومماساً لما في الابريق بحيث صدق إتحادهما بسبب الثقب ويتنجس الماء في هذا الفرض.
وأما عدم تنجس الماء في الصورة الاُولى ففي غاية الوضوح،وقد تقدم أنّ ما في الابريق من الماء القليل لا ينفعل بمجرد صبه نازلاً على اليد المتنجسة بالبول أو على يد الكافر أو الكلب،ولا يتم ما قيل في وجه ذلك من تعدد الماء عرفاً؛لأنّ ما في الابريق متحد مع الماء الملاقي للنجس عرفاً،كما أنَّ الاتصال موجب للوحدة العقلية أيضاً «ولا شأن لنا بها» بل الوجه في عدم التنجس أنَّ الأدلة الواردة في انفعال الماء القليل تختص بالواقف منه،ولا يشمل الماء الجاري من العالي على السافل النجس.
وأما انفعاله المستفاد من مفهوم أخبار الكر أي«الماء إذا لم يكن كراً يتنجس»فمنصرف عرفاً عن ملاقاة العالي للسافل على تقدير اطلاقه وظهوره.
فكما أنَّ العرف لا يرى سراية النجاسة من الجزء المدفوع من الماء الملاقي ليد الكافر الى الجزء الدافع من الماء،كذلك لاتسري النجاسة من الجزء الخارج الملاقي للارض المتنجسة الى ما في الابريق لخروج الماء بدفع وقوة.