والاحتمال المتعين في رأينا رجوع الفقرة المذكورة إلى الدابة في كلام السائل؛لأنَّ الامام(ع) سُئل عن موضوعين:وقوع الفأرة،ووقوع الدابة،كالخنفساء ونحوها،وكثيراً ما يتفق في القرى وقوع الحشرات في المرق ونحوه،وأجاب الامام؟ع؟ عن وقوع الدابة بطرحها؛لحرمة أكلها.وعدم ترك الطعام من أجل موت دابة فيه؛وذلك لعدم تنجسه،ولا حاجة الى نزع ما حوله،ويظهر من ذلك عدم الفرق بين الجامد والمايع في فرض وقوع الدابة،إلّا أنَّ الطباع قد تقذر ذلك الطعام ويجتنب عن أكله إذا كان مايعاً.
ولا فرق بناء على هذا الاحتمال بين أن يكون الوارد في الخبر«الثرد»أو«البرد».
والحاصل أنَّ ما ورد في الصدر من قوله(ع): «إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً فإنه ربما يكون بعض هذا؛فإن كان الشتاء فانزع ما حوله وكُله،وإن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به» لم يفصّل بين الفأرة والدابة وما ورد في الذيل من قوله(ع):«وإن كان ثرداً» أو «برداً فاطرح الذي كان عليه،ولا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه» راجع إلى الفرق بين الفأرة والدابة في الحكم،وإنَّ وقوع مثل الخنفساء لا ينجس الطعام والشراب جامداً كان أو مايعاً.
ومنها ما ذكر فيه قيد الجامد،كصحيحة علي بن جعفر،وهي الرواية السابعة في هذا الباب.
«علي بن جعفر في كتابه،عن أخيه موسى بن جعفر؟ع؟ قال:سألته عن الفأرة تموت في السمن والعسل الجامد أيصلح أكله؟قال:اطرح ما حول مكانها الذي ماتت فيه وكل ما بقي ولا بأس».
الطائفة الثالثة
الروايات المطلقة
وتدل الطائفة الثالثة من الروايات على إلقاء الفأرة وما حولها عن السمن والعسل من دون تفصيل بين الذوبان والجمود.
منها رواية سعيد الاعرج،وهي الرواية الرابعة في هذا الباب.
«وعنه،عن علي بن نعمان،عن سعيد الاعرج،عن أبي عبدالله(ع) في حديث أنّه سأله عن الفأرة تموت في السمن والعسل؟ فقال: قال علي(ع): خذ ما حولها وكل بقيته،وعن الفأرة تموت في الزيت؟ فقال:لا تأكله؛ ولكن أسرج به» ويحمل اطلاق الطائفة الثالثة على فرض الجمود؛ وذلك للروايات المفصلة بين جمود السمن والعسل،وبين ذوبانهما،فانهما مع ذوبانهما يحرم أكلهما لتنجسهما كسائر المايعات،ومع جمودهما تلقى الفأرة وما حولها،ولا خدشة في الجمع العرفي.
والمراد بالزيت المذكور مع السمن والعسل في سياق واحد في الطائفة الثانية ما يقبل الانجماد،والمراد بالزيت في الروايات المفصلة بينه وبين السمن والعسل هو الزيت الخالص الذي لا يقبل الانجماد.
المناط في الجمود والميعان
وقع الكلام في مناط الجمود والميعان،وأنه هل يستفاد ذلك من الروايات-كما عليه المشهور ومنهم الماتن-أو لا؟
قال:«والمناط في الجمود والميعان أنه لو أُخذ منه شيء؛فان بقي مكانه خالياً حين الأخذ-وان امتلأ بعد ذلك-فهو جامد،وان لم يبقَ خالياً أصلاً فهو مائع».
وأورد عليه السيد الحكيم(ره) في المستمسك بأنَّ للعسل والسمن غلظة بحسب العادة،ولا يكونان كسائر المايعات؛غاية الأمر تكون غلظتهما في الشتاء أشدّ منها في الصيف،كما لعل الوجه في مثل صحيحة معاوية بن وهب أنَّ السمن والعسل يغلب فيهما الغلظة والثخانة،بخلاف الزيت فإنَّ الغالب فيه الرقة،والظاهر ان ذلك هو المرتكز العرفي في سراية القذارة وعدمها فحكم الامامت(ع) بتنجس السمن والعسل شاهد بأنَّ المراد بالجامد ليس ما ذكره الماتن من أنّه لو أُخذ منه شيء بقي مكانه عند الأخذ خالياً،بخلاف المايع فإنه بمجرد الأخذ لا يبقى مكانه خالياً أصلاً،بل المراد بالجامد مرتبة خاصة من الغلظة و الكثافة،فان حصلت انتفت السراية،وان انتفت حصلت السراية،ولا يبعد حمل الروايات على ذلك بقرينة الارتكاز العرفي.
وظهر مما تقدم أنَّ تفسير الميعان والجمود بما ذكره المصنف لا يخلو من إشكال،بل الظاهر من المائع لغة وعرفاً ما اقتضى بطبعه استواء سطحه وان لم يحصل الا بعد حين،والجامد بخلافه،وعليه فإن أُخذ من السمن شيء وبقي مكانه خالياً حين الأخذ؛ولكن عاد سطحه إلى التساوي ولو بعد حين فهو مناط الجمود عند المصنف،ومناط الميعان عند السيد الحكيم(ره) وتختص النجاسة بموضع الملاقاة على الأول وتسري النجاسة الى الجميع على الثاني.