التفصيل في المسألة
وأورد بعض على الاطلاق في كلام الماتن والتزموا بالتفصيل بيان ذلك:ان في نجاسة بدن الحيوان قولين:
أحدهما:انّ بدن الحيوان يتنجس كبدن الانسان بملاقاة عين النجس،والفرق بينهما عبارة عن اشتراط زوال العين عن بدن الانسان،واعتبار الغسل،أو صبّ الماء عليه في حصول طهارته،استناداً إلى الروايات،وبما انّ السيرة القطعية قائمة على عدم غسل الحيوان،ولم ترد رواية فيه،فيتعين الالتزام بالنجاسة ما دامت العين باقية،ويحكم بالطهارة بعد زوال العين ولو بخرقة،من غير حاجة إلى طرو مطهر عليه.
والقول الآخر عدم تنجس بدن الحيوان بوجه،وانحصار النجس في العين التي يحملها الحيوان على موضع من بدنه،كالعذرة الرطبة العالقة برجل الغنم أو الدجاج.
والمسلك الصحيح هو قول الآخر على ما تقتضيه الأدلة،وحاصله أنَّ تنجس الشيء الطاهر بالملاقاة مستفاد من أمر الامام؟ع؟ بالغسل،وقد ورد الأمر بغسل كل ما أصابه ذلك الماء المتنجس،كما في موثقة عمار وبغسل الثوب الملاقي مع الدم أو المني أو الميتة،وقد تمّ التعدي إلى غير المنصوص؛لعدم احتمال الخصوصية،و وجود القطع بعدم الفرق بين البدن والثوب وبين الخشب مثلاً.
وبما انّه لم يرد الامر بالغسل في الحيوان،واحتمل الفرق بين بدن الحيوان وغيره،تعيّن الالتزام بعدم تنجس بدن الحيوان.
وبناء على ذلك يحكم بالطهارة إذا شكَّ في زوال عين النجس عن رجل الذباب؛إذ لا يثبت استصحاب بقاء عين النجس في الرجل،ملاقاة الثوب مع عين النجس؛لأنّه من الأصل المثبت،والاستصحاب لا يقتضي الوجود التكويني لعين النجس،بل يفيد الوجودالتعبدي لعين النجس في الرجل،ولا يلزم ذلك ملاقاة الثوب مع عين النجس.
ويحكم بنجاسة الثوب بناء على ما سلكه المشهور،ومنهم الماتن من تنجس بدن الحيوان،وطهارته بزوال العين؛لأنّ تأثر رطوبة الثوب من عضو الحيوان الملاقي للنجس محرز بالوجدان،ومقتضى الاستصحاب بقاء ذلك العضو على نجاسته،وقد حكم الشارع بنجاسته،فيتم موضوع النجاسة؛ولذا اُورد على الماتن بأن الحكم بطهارة الثوب والبدن على القول بتنجس بدن الحيوان في غير محله.
إشكال السيد الحكيم(ره)
وأورد السيد الحكيم في المستمسك على القول بالتفصيل بدعوى أنَّ استصحاب بقاء العضو على النجاسة لا يجدي نفعاً بناء على القول بتنجس بدن الحيوان أيضاً؛وذلك لا لكونه من الاصل المثبت،بل لخصوصية توجب عدم جريان الاستصحاب،وهي عبارة عن القطع التفصيلي الوجداني بأن الملاقي كالثوب أو الماء القليل لم ينفعل بنفس عضو الحيوان في فرض الشك في بقاء مثل العذرة على مثل رجل الحيوان،فان لم تكن العذرة حال الملاقاة موجودة على رجله لم يتنجّس الثوب أو الماء القليل؛وذلك لطهارة عضو الحيوان بزوال تلك العين وإن كانت العذرة حال الملاقاة موجودة على رجل الحيوان سبقت ملاقاة الثوب أو الماء القليل للعذرة من حيث الزمان ملاقاته لرجل الحيوان،وعندئذٍ يتنجس الملاقي بالسبب السابق،ولا ينفعل المنفعل ثانياً؛لأنّ المعلول يستند إلى علته السابقة مع اجتماع العلل،وللمعلول في المقام علتان؛ملاقاته للعذرة وملاقاته لعضو الحيوان،ومن الواضح أنّ ملاقاتهُ للعذرة نفسها أسبق زماناً من ملاقاته لرجل الحيوان،فلا أثر لنجاسة نفس العضو كي يجري الاستصحاب لاثباتها،ولا معنى لتعبد الشارع بمنجسية العضو لملاقي عين النجس عند العلم الوجداني بعدم تنجس الملاقي بنفس العضو،وبعدم ترتب الأثر،وهو التنجس على نجاسة العضو،والحكم الظاهري إنّما يجري في موارد احتمال التطابق مع الواقع،وإلّا فلا حكم ظاهري،وقد سبق منا القول بأنّ الامارة أو الاصل حجة على من احتمل الواقع،وليس حجة على العالم بالواقع،سواء وافق علمه الأصل أو الامارة أم لا.
والمفروض في المقام أنَّ ما يفيده الاستصحاب مخالف للواقع جزماً.
الجواب عن الاشكال
والجواب عن الاشكال يتلخّص في قاعدة،وهي أنَّ الحكم ثابت بثبوت الموضوع،وما يثبت به الموضوع يثبت به الحكم أيضاً؛ولكن لا يحرز حدوث الحكم بإحراز الموضوع وحدوثه،ولا يكون للموضوع تأثير في الحكم،فاذا لاقى مايعٌ الثوب وشك في طهارة المايع ونجاسته اقتضى الأصل طهارتهما،وان وقع النجس في المايع ولاقاه الثوب ثبت الحكم بنجاسته،ولم يثبت حدوثه،بل يحتمل حدوثه حين ملاقاته للمايع النجس،كما يحتمل ملاقاته للعذرة في الزقاق قبل ملاقاته للمايع النجس إلّا ان ملاقاته للمايع النجس توجب احراز الحكم و ثبوته،والأمر كذلك في العلم الوجداني فضلاً عن الأمارة والأصل.