کیف نطهِّر الماء المضاف؟ (ج 48)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثامن والاربعون

مسألة 7: «إذا ألقي المضاف النجس في الکر فخرج عن الاطلاق إلى الاضافة تنجس إن صار مضافاً قبل الاستهلاك وإن حصل الاستهلاك والاضافة دفعةً لا یخلو الحکم بعدم تنجسه عن وجه، لکنّه مشکل»[1].

قد ذکرنا أنّ لخروج ماء الکرّ عن الاطلاق ثلاث صور، تعرض صاحب العروة لصورتين وأضفنا نحن إلى ما تعرض له صاحب العروة(ره) صورة واحدة واما الصور الثلاثة:

الصورة الاولیٰ: ما إذا القي النجس في الکرّ وبعد اخراجه منه ومضيّ مدةٍ تغیّر الماء کما لو ألقیت المیتة في الکر ولم یتغیر الماء آنذاك ولکن بعد إخراجها منه ومضيّ زمانٍ علیه اکتسب الماء رائحةً نتنة. فهنا نحکم بطهارة الماء إذ الماء ینجس إذا تغیر بملاقاته عین النجس وحین وقوعها فیه، کما سیأتي إن شاء الله تعالیٰ، ولكن هنا تغيّر الماء بعد خروج الميتة ومضى الزمان فالماء محکومٌ بالطهارة ‌لعدم تغیره عند لقائه الميتة، والتغیر حادثٌ بعد إخراج النجس من الماء، ولم یتعرّض صاحب العروة(ره) لهذه الصورة.

(جعفر التبریزي: وفي ما أفاده الأستاذ(ره) نظرٌ لأنّ التغیر إذا كان في مدة وجيزه من خروج الميتة كنصف يوم أو يوم مهما يكون مستندٌ إلى المیتة وإن حصل التغیر بعد اخراج النجس من الماء فلابد من الحکم بنجاسة الماء).

وأما الصورتان اللّتان تعرّض صاحب العروة لهما فهما الصورتان الاخیرتان أي:

الصورة الثانیة: وهي ما إذا خرج الکر عن الاطلاق إلى الاضافة حین وقوع عین النجس فیه، وقبل استهلاك المضاف، وقد حکم صاحب العروة(ره) بنجاسة الکر في هذه الصورة من دون اشکالٍ؛ لأنّه خرج عن الاطلاق حین ملاقاته للمضاف النجس وقبل الاستهلاك، والماء المطلق ینفعل بإضافته عند ملاقاته المضاف النجس ولو کان کراً ولا ینفع استهلاك المضاف بعد ذلك.

والصورة الثالثة: وهي ما إذا حصل خروج الکر عن الاطلاق والاستهلاك معاً في زمانٍ واحدٍ ولا قبله ولا بعده في هذه الصورة، بخلاف الصورة الأولیٰ والثانیة، وقد ذکر صاحب العروة(ره) أنّ الحکم بعدم تنجس الماء لا یخلو عن وجهٍ، ولکنه مشکل.

والاکثر المعتدّ به من العلماء الذین تعرضوا لهذه الصور الثلاث ولهم تعلیقة علی العروة أشکلوا[2] وقالوا باستحالة الصورة الثالثة، وهي الصورة الثانیة في کلام صاحب العروة(ره).

وصاحب العروة فرض هذه الصورة فیما إذا ألقي المضاف المتنجس في الماء المعتصم وحصل الاضافة والاستهلاك معاً في آنٍ واحدٍ وکأنّ الوجه الذي أشار إلیه في الحکم بعدم التنجس[3] هو أنّ الماء في حال الملاقاة وقبل استهلاك المضاف فیه ماءٌ مطلقٌ معتصمٌ فلا وجه لانفعاله، وأما بعد استهلاك المضاف فیه لم یبق المضاف الأول المتنجس حتی ینجّس المضاف الجدید، وظاهر أدلة تنجس المضاف هو التنجس حین وقوع النجس، والاضافة حین الملاقاة، والمفروض هنا أنّ المضاف الجدید لم یلاق ولم یصبه نجساً حتی یتنجس وإن لم یکن ماءً مطلقاً؛ ولذلك قال السید(ره) بأنّ الحکم بعدم التنجس لا یخلو عن وجه، وکأنّه یرجع فیه إلىٰ قاعدة «کلّ شيءٍ طاهر»[4].

وأشرت إلى أنّ اغلب العلماء قالوا باستحالة هذا الفرض وانه لا یعقل انقلاب الماء المطلق مضافاً وحصول الاستهلاك معاً في آنٍ واحد؛ لأنّ تحقق الاستهلاك فرع بقاء الماء في اطلاقه فلابد من بقاء الماء المعتصم في اطلاقه حتی یتحقق استهلاك المضاف فیه، والمفروض هنا عدم بقاء المطلق وانقلابه مضافاً حین الاستهلاك فیلزم اجتماع الوصفین المتضادین في الماء، أي کونه مطلقاً حتی یتحقق استهلاك المضاف فیه حین الاستهلاك وکونه مضافاً حین الاستهلاك، ومن المعلوم استحالة اجتماع الوصفین المتضادین في آنٍ واحدٍ في الماء.

(جعفر التبریزي: وفي ما افاده صاحب العروة بأنه لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه لکنه مشکل، تأملٌ؛ لأنّ ماء الکر قبل الاختلاط مع النجس أو المتنجس کان مطلقاً وقد تغیر بوقوع المضاف النجس فیه، فالتغیر حاصلٌ بسبب هذا المضاف النجس أو المتنجس، وانه مستندٌ إلیه فلا معنی للقول بأنه مضافٌ جدیدٌ ومستلزمٌ لاجتماع الوصفین؛ لأنّ تنجس الماء المطلق بالمضاف النجس أو المتنجس أمرٌ وجداني).


[1]– السید محمد کاظم الیزدي، العروة الوثقی (بیروت، مؤسسة‌ الاعلمي للمطبوعات، ط 2، ت 1409)، ج1، ص29.

[2]– السید محمد کاظم الیزدي، العروة الوثقی (المحشی)، (قم، دفتر انتشارات اسلامی، ط 1، 1409ق)، ج1، ص66.

[3]– راجع: نفس المصدر السابق والسید محمد کاظم الیزدي، العروة الوثقی (بیروت، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، ط 2، ت 1409ق) ج1، ص29.

[4]– المراد منها هي قاعدة الطهارة المأخوذة من الروایات کقوله (علیه السلام): «کل شيء لك نظیف حتی تعلم انه قذر»؛ راجع: الشیخ حر العاملي، وسائل الشیعة (قم، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ط 1، ت 1409ق)، ج30، ص467.