کفایة إزالة عین النجاسة بالمضاف (ج 21)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الواحد والعشرون

دراسة كفایة ازالة عین النجس بالمضاف أو عدم كفایتها للتطهیر

كان الكلام في أنّ المطهّر من الخبث هل هو خصوص الماء المطلق أو الأعم منه ومن الماء المضاف علی فرض تنجس الأشیاء الطاهرة بملاقاة النجاسة؟

قد نقل عن السید المرتضی (قدس سره) بأنّ المراد من الطهارة في الآیة الشریفة (وثيابك فطهّر) هي ازالة العین فیتحقق الغسل بإزالة العین بأيّ شيء حتی المضاف. ربما توهم بعضٌ بأنّ حقیقة التطهیر هي ازالة العین، واطلاق الغسل یدل علی كفایة إزالة العین، وتوهم ذلك من ظاهر صحیحة حكم بن حکیم بن أبي خلّاد: «محمد بن علي بن الحسین بإسناده عن حكم بن حكیم بن أبي خلّاد» وسند الصدوق لا بأس به «قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) أبول ولا أصیب الماء وقد أصاب یدي شيءٌ من البول فأمسح بالحائط أو التراب ثمّ تعرق یدي فأمسّ وجهي أو بعض جسدي أو یصیب ثوبي؟ قال: لا بأس به.»

فظاهر قوله (علیه السلام): «لا بأس به» عدم تنجس الوجه أو العضو والثوب بالمسّ وكأنّ المستفاد منه هو حصول الطهارة بإزالة العین عند مسح الید بالحائط أو التراب» هكذا توهم بعضٌ.

عدم دلالة صحیحة حكم علی كفایة ازالة العین

لكنّ صحیحة حكم بن حكیم لا دلالة لها علی هذا الحكم وهو التطهیر بغیر الماء المطلق في المقام؛ لأنّ ظهور «لا بأس به» في هذه الصحیحة راجعٌ إلی مسح الید؛ أي مسح الید بالحائط أو التراب ثمّ مسّ الوجه أو بعض الجسد أو الثوب بالید بعد تعرق الید ونفي البأس عنه في قول الامام (علیه السلام). ظاهر وجه عدم النجاسة هو أنّ السائل لا یعلم بإصابة الجزء النجس من الید؛ لأنّه یقول «أمسح وجهي أو بعض جسدي أو یصیب ثوبي» وهذا لا یدل علیٰ إصابة الجزء النجس، بل یحتمل عدم اصابة الجزء النجس، ربّما یجاب عن هذا الجواب بأنّ الروایة مطلقةٌ لا أقل ولا أكثر[1]، فغایة الأمر[2] اطلاق الروایة ودلالتها علی طهارة الید المتنجسة بغیر الماء المطلق لمسحها بالحائط أو التراب، ونردّ ذلك بأنّ الروایة لیس لها اطلاقٌ لا سیما مع وجود لفظة «أمسّ» في بعض النسخ ولا یوجد فیه «أمسحه»[3] أي أمسّ یدي، والمسّ هو الإصابة من حیث لا یشعر، وعدم العلم بإصابة الجزء النجس للثوب أو الوجه.

تقیید صحیحة حكم بصحیحة عیص بن القاسم علی فرض اطلاقها

غایة ما یقال هو أنّ صحیحة حكم بن حكیمٍ مطلقةٌ، ولكن نرفع الید عن اطلاقها ونقیّدها بصحیحة عیص بن القاسم[4] «محمد بن الحسن باسناده عن الحسین بن سعید» واسناد لشیخ عن كتاب الحسین بن سعید الاهوازي صحیحٌ «عن صفوان بن یحیی عن عیص بن القاسم، قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجلٍ بال في موضعٍ لیس فیه ماءً فمسح ذكره بحجرٍ وقد عرق ذكره وفخذاه قال: یغسل ذكره وفخذیه»

بناءً علی هذا لا یصح الالتزام بمضمون صحیحة حكم بن حكیم، وإن كان لها اطلاقٌ ولا یمكن للعامة أیضاً أن یلتزموا به لانهم یجوزون الاستنجاء من البول بالحجر وبالتراب ویحكمون بتطهیر موضع البول بالاستنجاء، وأما هل تتطهر الید المتنجسة بالمسح؟ أقول: لا یلتزم العامة بذلك ولا یلتزم الخاصة بذلك ولا سبب لتوهم ذلك من صحیحة حكم بن حكیم. فمن أصّر كثیراً علی اطلاق الروایة یلزم علیه رفع الید عن اطلاقها؛ لأنّ لها مقیّداً وهو صحیحة عیص بن القاسم فیحمل صحیحة حكم بن حكیم علی صورة عدم العلم باصابة الجزء النجس من الید ويحکم بوجوب غسل المکان المصاب إذا علم بإصابة الجزء النجس من الید استناداً إلی صحیحة عیص بن قاسم، كما ذكرنا سابقاً ووجوب غسل البول لحصول الطهارة لأنّه «لا یجزي من البول إلّا الماء» ولا تكفي ازالة العین بالحجر أو غیر الحجر. وكیف ما كان هذه الروایات التي ذكرناها والروایات الموجودة في ابوابٍ متفرقةٍ تدل علی أنّ المطهر من التنجس منحصرٌ بالماء، وقلنا المراد من الماء هو الماء المطلق لذكره بلا قیدٍ في الروایات وتحمل لفظة الماء المستعمل بلا قیدٍ علی الماء المطلق، والماء المطلق بجمیع اقسامه هو الذي یصح اطلاق الماء علیه، ولا وجه لإطلاقه علی الماء المضاف. وأجبنا عن توهم البعض واستفادته من الروایات واثبتنا أنّ الروایات لا تدل علی ما یدّعونه من كفایة ازالة العین في التطهیر. هذا كلّه في المقام الاول وسنبحث في المقام الثاني إن شاء الله تعالی. والحمد لله ربّ العالمین.


[1] . ای غایة ما یمكن ادعاؤه هو اطلاق الروایة في هذه المسألة.

[2] . أي غایة الامر هي فرض اطلاق الروایة.

[3] . نقلت لفظة «امسحه» في النسخ المعتبرة الموجودة كالكافي ومن لا یحضره الفقیه والوسائل وفي بعض ما نقله التهذیب ولم توجد لفظة «أمس» حسب التنبع والفحص.

[4] . الشیخ حر العاملي، وسائل الشیعة، (قم، موسسه آل البیت (عليهم السلام) ط 1، ت 1409 ق)، ج 3، ص 441.