بسم الله الرحمن الرحيم
البحث السادس والثلاثون
عدم التطابق بین المقام واستصحاب العدم الازلي
ثمّ لو قیل بعدم حجیة استصحاب العدم الأزلي في الشبهة فلا مناص من جریان استصحاب عدم كریة الماء فیها؛ لأنّ هذا السائل المشكوك لم یكن كرّاً حینما كان بخاراً أو مطراً ولا یعلم بكریته بعد ذلك كاجتماعه في مكانٍ وتكوّن كریته، والشك هنا في الكریة لا في المائیة البتة وحینئذٍ یستصحب عدم كریته.
وظاهر كلام السید(ره) الحكم بالنجاسة وعدم الرجوع إلی قاعدة الطهارة في المشكوك اطلاقه واضافته لجریان استصحاب عدم كونه ماءً فیتنجس بالملاقاة وفقاً لمقتضی الاستصحاب ومجری قاعدة الطهارة انما هو صورة الشك في الطهارة والنجاسة.
وأمّا إذا كانت الشبهة في الصدق كماء السیل، والشك في كونه ماءً أو وحلاً فإطلاق كلام السید(ره)؛ «إذا شك في مایعٍ انه مطلقٌ أو مضافٌ لا یرفع حدثاً ولا خبثاً ویحكم بنجاسته مع قلّته وبطهارته مع كثرته» هو الأخذ بالحالة السابقة في فرض وجودها، والحكم بالنجاسة في القلیل الملاقي، والحكم بالطهارة في الكثیر الملاقي عند عدم وجود الحالة السابقة.
هذا كلّه فیما إذا كانت الشبهة موضوعیة.
ظاهر كلام السید(ره) هو التطابق بین الشبهة في الموضوع والشبهة في المفهوم؛ لكن لا یتم ذلك ولا یجري استصحاب الحالة السابقة في الشبهة المفهومیة مطلقاً؛ لأنّ ظاهر أدلة اعتبار الاستصحاب، ومنها «لا تنقض الیقین بالشك» هو الحكم بالبقاء عند الشك في بقاء ما كان متحققاً في سابق الزمان[1] وأمّا بقاء التحقق الخارجي في الشبهات المفهومیة لیس بمشكوكٍ أبداً كما مرّ. وإن استوعبت هذا التعلیل فقد علمت السرّ في عدم جریان الاستصحاب في موارد الشبهة المفهومیة.
عدم جریان الاستصحاب في موارد الشك في صدق العنوان
لا ریب في أنّ الاستصحاب متقوّمٌ بالشك في البقاء ولا یطرأ أي شكٍّ في بقاء التحقق الخارجي السابق في الشبهات المفهومیة، ومعه ینغلق باب الاستصحاب فیها لا محالة، ونمثّل له بالشك في الغروب كما في صحیحة زرارة عن الامام (علیه السلام): «إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور ثمّ أنت في وقتٍ منهما حتی تغرب الشمس»[2] لكن لا نعلم أنّ غروب الشمس هو استتار قرص الشمس وغیابه عن الأفق الحسي أو ذهاب الحمرة المشرقیة وغیاب القرص عن الأفق الحقیقي. فإنّ غیبوبة القرص مقطوعة الوجود، وذهاب الحمرة مقطوع العدم، ولا شك لنا في شيءٍ منهما، بل الشك في امثال المقام انما هو في مجرد الوضع والتسمیة وإنّ اللفظ هل وضع علی مفهوم یعمّ استتار القرص أم لا؟ والحاصل أنّ الاستصحاب لا یجري في الشبهة المفهومیة لعدم اشتماله علی بعض اركانه وهو الشك في البقاء.
والحمد لله ربّ العالمین
[1]. التعبیر بالتحقق والوجود في سابق الزمان یكون من باب ضیق الخناق اذ یمكن ان تكون الحالة السابقة هي عدم الشيء لا وجوده، والتعبیر بتحقق العدم من باب ضیق البیان.
[2]. وردت روایات كثیرة بهذا المضمون وما ورد في العبارة لیس نص الروایة بل مضمونها وقد نقل عن زرارة روایات بهذا المضمون منها… تعلیقة ص 72 رقم 4.