بسم الله الرحمن الرحيم
البحث السابع والثلاثون
قلنا إنّ الاستصحاب لا یجري في الشبهة المفهومیة (الصدق) لکن لماذا لا یجري؟ لأنّ الشبهة هنا شبهةٌ في الصدق ولا یوجد شكٌ في البقاء الخارجي، بل الشكّ یکون في مجرد التسمیة للموجود الخارجي، والاستصحاب لا یعین الاسم. وما نحن فیه من هذا القسم.
إنا نعلم أنّ هذا السیل لم یکن ماءً ومطراً سابقاً، ولم یکن مخلوطاً بالتراب، ولکنه اختلط به لاحقاً. نحن نعلم ذلك ولکننا لا نعلم اسم هذا المخلوط؛ هل اسمه ماءٌ أو وحل؟ فلا نشكّ في الوجود الخارجي الذي کان ماءً من دون اختلاطه بالتراب سابقاً ولکنه اختلط الآن بالتراب قطعاً فنشكّ الآن في أنّ اسمه ماءٌ أو وحل؟
وقد یتوهم أنّ المراد من «لا تنقض الیقین بالشك» هو الشيء والعنوان کما لو کان عنوان الماء منطبقاً على الشيء سابقاً وکنا نتیقن بذلك والآن شککنا فیه، فلأحدٍ أن یقول إنّ مورد الشبهة في المفهوم من هذا القبیل. لکن لا وجه لهذا الوهم؛ لأنّ ظاهر أدلة الاستصحاب ومنها «لانكّ کنت علی یقینٍ من وضوئك فالآن شککت فیه» الیقین في التحقق الخارجي سابقاً والشكّ في التحقق الخارجي لاحقاً، ولیس في المقام أدنى شكّ في التحقق السابق.
نعم، إذا کان معنى الغروب هو السقوط عن الأفق الحسي، فالغروب محققٌ في الخارج قطعاً، وإذا کان معنى الغروب هو سقوط القرص عن الأفق الواقعي وتحققه بذهاب الحمرة المشرقیة فالغروب غیر محققٍ قطعاً إذ الحمرة المشرقیة باقیة.
فلا نشكّ في الوجود الخارجي فیما نحن فیه، بل نشكّ في اسم الموجود الخارجي ولا یجري الاستصحاب في هذه الموارد.
رأي السید الحکیم(ره) في المستمسك
قال السید الحکیم(ره) في المستمسك ما هذا نصه: «أمّا لو کان (الشكّ) بنحو الشبهة المفهومیة ـ للشك في حدود المفهوم وقیوده على نحوٍ یستوجب الشكّ في صدقه على المورد ـ أشکل جریان الاستصحاب؛ لأنّه من الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد کالجاري في الفرد المردد».
بیان ذلك:
إنّ الاستصحاب في الحکم لا یجري في هذه الموارد؛ لأنّ الشبهة هنا شبهةٌ مفهومیة، فلا یجري استصحاب کونه ماءً سابقاً، وکذا لو کان مضافاً وقلّ ثقله بسبب رسوب ترابه فإنا لا نعلم صدق الماء علیه أو صدق الوحل علیه فلا یجري استصحاب کونه وحلاً کما کان سابقاً؛ لأنّ الشك طارئٌ في الصدق. قال السید الحکیم(ره) لا یجري الاستصحاب في هذا العنوان؛ لأنّ الشبهة هنا شبهةٌ مفهومیة، ولا یوجد شكّ في التحقق الخارجي، بل الشكّ طارئٌ في العنوان إلّا انه لا إشکال في الاستصحاب الحکمي. نقول: کان هذا ماءً مطراً وکان یرفع الحدث والخبث ولم یتنجس بملاقاة النجس، والآن لا نعلم أنّ حکمه باقٍ أم لا؟ فإن کانت الحالة السابقة هي الاطلاق فیستصحب بقاء المطهریة من الحدث والخبث وعدم التنجس بملاقاته للنجس، فإن کانت الحالة السابقة في المقام هي الاطلاق فیستصحب الحکم التنجیزي، وإن کانت الحالة السابقة الاضافة أي کونه وحلاً سابقاً فیستصحب الحکم التعلیقي. وهذا الوحل یتنجس لو کان یلاقیه النجس؛ لأنّ نجاسته تعلیقیةٌ وهو لحدّ الآن لم یلاق نجساً، والآن نشك في انه هل یتنجس بملاقاة النجس أو لا یتنجس؟ فیستصحب بقاء الحکم التعلیقي، فإنا کنا على یقینٍ من نجاسته سابقاً لو کان یلاقي النجس، والآن لا نعلم أنّه یتنجس بملاقاة النجاسة أو لا یتنجس فیستصحب الحکم التعلیقي. فالاستصحاب في الحکم جارٍ إمّا حکماً مطلقاً، وإما حکماً تعلیقیاً: کان هذا کلام السید الحکیم(ره) في المستمسك.
وملخص کلامه(ره) هو أنّ الاستصحاب في جانب الموضوع لا یجري في الشبهة المفهومیة، ولکنه یجري في جانب الحکم، فیستصحب الاطلاق لو کانت الحالة السابقة هي الاطلاق «کون الماء یرفع الحدث والخبث» وتستصحب الطهارة السابقة له فیما إذا کان بمقدار الکر عند ملاقاته للنجس، فکأنّ النتیجة هي اطلاق الماء أي تترتب آثار الماء المطلق علیه وتستصحب أحکامه. وأما إذا کانت حالته السابقة هي الاضافة فیستصحب عدم کونه رافعاً للحدث والخبث. هذا الاستصحاب تنجیزيٌ فلم یکن رافعاً للحدث والخبث، والآخر هو استصحاب التنجس التعلیقي؛ نقول: لو کان یلاقي النجس سابقاً کان یتنجس، والآن کما کان بناءً على جریان الاستصحاب التعلیقي وعدم معارضته بالاستصحاب التنجیزي فهو کان طاهراً سابقاً لعدم ملاقاته للنجس، والآن لا نعلم تنجسه لو لاقی نجساً فتستصحب الطهارة.
وقد توهم أنّ الاستصحاب التنجیزي معارضٌ بالاستصحاب التعلیقي، وهو مردودٌ؛ لأنّ الاستصحاب التنجیزي مقدمٌ علی الاستصحاب التعلیقي، فلا تعارض في المقام. والحمد لله ربّ العالمین.