هل تحصل الاستحالة بالتصعید؟ (ج 34)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الرابع والثلاثون

الكلام في حصول الاستحالة بالتصعید وعدم حصولها به

ومحصل الكلام ما قاله(ره) بأنّ المضاف یطهر بالتصعید، والتصعید داخلٌ في الاستحالة لما علّله بقوله «لاستحالته بخاراً» إذ لا یصدق عنوان الماء المطلق أو المضاف النجس علی البخار، ولم یلاق البخار نجساً، وربما یشكل علی كون التصعید استحالةً بأنّ السائل الناتج عن تصعید البول مثلاً لیس بطاهر، لكن تقدّم أنّ هذا الاشكال لیس في محله لأنّ السائل الناتج عن تصعید البول بولٌ، والبول الاول قد تبدل إلی البول الثاني بالاستحالة، كما في مسألة إحیاء الاموات وقضیة النبيّ ابراهیم (علیه السلام) وتبدل الموجود الأوّل إلی الموجود الثاني، واطلاقات البول تشمل البول الثاني وتحكم بنجاسته، ومن هنا یعلم أنّ تبخیر الخمر ثمّ تبریدها وتحویلها إلی الخمر ثانیاً لا یخرجها عن كونها خمراً نجسةً محرمة، بل هي أظهر أنواع الخمر عند أهل الخبرة.

وأمّا البخار المصعّد من البول فلیس نجساً إذ لا یصدق علیه عنوان البول وإلّا لزم تعدد النّجاسات لدی العرف، والالتزام بنجاسة البول ونجاسة بخاره، لكنّ الامر واضحٌ، ولا شكّ في كونهما حقیقتان مختلفتان تماماً، والمناط هو الفهم العرفي.

احكام الماء المشكوك من حیث الاضافة والاطلاق

مسألة 5: «إذا شكّ في مایعٍ أنّه مضافٌ أو مطلقٌ فإن علم حالته السابقة أخذ بها، وإلّا فلا یحكم علیه بالاطلاق ولا بالاضافة، لكن لا یرفع الحدث والخبث، وینجس بملاقاة النجاسة إن كان قلیلاً، وإن كان بقدر الكر لا ینجس لاحتمال كونه مطلقاً والأصل الطهارة».

فالسائل المشكوك لا یجري علیه حكم المطلق ولا حكم المضاف إلّا مع سبق اطلاقه أو سبق اضافته، والمشكوك من دون حالة سابقةٍ لا یرفع الحدث والخبث، ویجري فیه استصحاب بقاء الحدث والخبث، كاستصحاب بقاء نجاسة الثوب أو البدن، واستصحاب بقاء الجنابة وینجس بملاقاة النجاسة إن كان قلیلاً وإن كان بقدر الكر لا ینجس لاحتمال كونه مطلقاً وعدم الحكم بإضافته فیرجع إلی أصالة الطهارة فیه.

أمّا المشكوك مع سبق الاطلاق فتجري علیه احكام الماء المطلق من إزالة الخبث والحدث ودخوله تحت حكم الشارع: «جعل الله الماء والتراب طهورا»[1] والطهور هو ما تحصل الطهارة باستعماله، والمشكوك مع سبق اضافته لا یجري علیه حكم المطلق وانّما یجري علیه حكم المضاف.

هذا ما قاله(ره) اجمالاً وفي المسألة شقوقٌ تجب دراستها. والحمد لله ربّ العالمین.

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الخامس والثلاثون

مسألة 5: «إذا شكّ في مایعٍ أنّه مضافٌ أو مطلقٌ فإن علم حالته السابقة أخذ بها، وإلّا فلا یحكم علیه بالاطلاق ولا بالاضافة، لكن لا یرفع الحدث والخبث، وینجس بملاقاة النجاسة إن كان قلیلاً، وإن كان بقدر الكر لا ینجس لاحتمال كونه مطلقاً والأصل الطهارة»

دراسة الشقوق المختلفة في الماء المشكوك اطلاقه واضافته

الشك في الاطلاق والاضافة یتصور علی نحوین:

الأول: هو الشك في الاطلاق والاضافة من جهة الشبهة الموضوعیة، ویكون الشك مسبباً عن اشتباه الأمور الخارجیة، كما لو غسل الدم بماء القوري في ظلام اللیل وشك في اطلاق الماء وإضافته فهذا شكٌ في الشيء الخارجي وخصوصیته.

الثاني: هو الشك من جهة الشبهة المفهومیة ویكون الشك ناشئاً عن الشك في سعة المفهوم وضیقه، كما لو جریٰ السیل في النهر وعلمنا به من دون أدنی شكٍ في وجوده المعین ولكن شككنا هل یصدق علیه الماء أم یصدق علیه الوحل، أم لا یصدق أيّ واحدٍ منهما علیه؟ أمّا الشك فیما نحن فیه فهو من جهة الشبهة المفهومیة لا من جهة الشبهة الموضوعیة، والشبهة المفهومیة تدخل في الشبهة الحكمیة التي یعبّر عنها بالشبهة في الصدق ومرجعها إلی الشك في سعة المفهوم وضیقه.

الشبهة الموضوعیة في الماء ومواردها، الشك في الخصوصیة الخارجیة

الشك في الاطلاق والإضافة من جهة الشبهة الموضوعیة اقسامٌ: أحدها: ما إذا علم اطلاق الماء سابقاً وقد قال(ره) بجریان استصحاب الاطلاق فیه بلا أيّ شبهةٍ وتحقق رفع الحدث والخبث به.

ثانیها: عكس ذلك بأن علم الاضافة سابقاً ویرجع فیه إلی استصحاب بقاء الاضافة السابقة، ویترتب علیه جمیع أحكام المضاف، كما كان یترتب علیه أحكام الماء المطلق في القسم الاول.

ثالثها: ما إذا شكّ في الاطلاق والاضافة من غیر علمٍ بحالته السابقة، وجریان قاعدة الطهارة فیه مبني علی القول بعدم حجیة الاستصحاب في الأعدام الازلیة، كما ذهب إلیه البعض؛ لأنّ المشكوك إذا كان قلیلاً یتنجس بالملاقاة، سواءٌ كان في الواقع مطلقاً أم مضافاً وإذا كان كثیراً شملته قاعدة الطهارة.

وأمّا جریان الاستصحاب فیه لاثبات النجاسة فمبني علی القول بحجیة الاستصحاب في الاعدام الأزلیة[2] ـ كما التزم به البعض ـ وعلیه فلابد من الحكم بنجاسة المشكوك بالملاقاة وذلك لأنّ مقتضی الأدلة المتقدمة ـ كموثقة سماعة بن مهران الواردة في سؤر الكلب: «لا یشرب سؤر الكلب إلّا أن یكون حوضاً كبیراً یستقیٰ منه» ـ هو تنجس السوائل كلّها بالملاقاة، وانما خرج منه عنوان الكر من الماء، فهناك عامٌ قد خصص بعنوانٍ وجودي، والمفروض أنّا أحرزنا وجود الكر خارجاً ولا ندري هل وجد معه الاتصاف بصفة المائیة أیضاً أم لم یوجد معه ذاك الاتصاف؟ والاصل أنه لم یتصف به ولم یوجد معه الاتصاف لأنّه قبل وجوده لم یكن متصفاً بماء الكر، والاتصاف إنّما هو بعد خلقته لا قبلها، فإنّ الاتصاف بماء الكر لیس قدیماً، بل هو أمرٌ حادثٌ مسبوقٌ بالعدم بالضرورة، فیستصحب عدم اتصافه به والآن عند الشك یحکم بعدم اتصافه بالکرية كما لا یخفیٰ. فإذا ثبت عدم اتصافه بعنوان المخصص وهو ماء الكر فیبقی المشكوك تحت عموم ما دلّ علی الانفعال بالملاقاة ولا حاجة إلی اثبات الاضافة أو استصحابها.

استثناء عنوانٍ من تحت عنوان العام

إذا ورد عامٌ ثمّ خرج عنوانٌ من تحته بالدلیل كما لو قال المولی: أكرم كلّ عالم، ثم قال: لا تكرم الفسّاق من العلماء، وكان هناك عالمٌ شكّ في كونه فاسقاً فیخرج عن العموم، أم غیر فاسقٍ فیدخل في العموم، وجب اكرامه. فهذه شبهةٌ خارجیةٌ وموضوعیة، والوظیفة هنا وجوب إكرام العالم المشكوك لأنّه لم یكن فاسقاً في زمان عدم بلوغه، والاستصحاب یحكم بعدم حدوث الفسق له ویخرجه عن عنوان المخصص عند الشك في فسقه، فهو عامٌ بالوجدان ولیس بفاسقٍ بالاستصحاب، والدلیل یدل علی وجوب إكرام العلماء إلّا الفساق منهم فیتم موضوع الحكم، وموضوع حكم العام بعد ورود المخصص یشمل جمیع الافراد الذین لا ینطبق علیهم عنوان المخصص وقد ثبت أنّ هذا الفرد المشكوك یكون عالماً ولا یكون فاسقاً. ولا یجري استصحاب «عدم كونه عادلاً» لأنّ العدالة لیست موضوعاً للحكم، وقید العدالة غیر مأخوذٍ في الموضوع، وانما الخارج من العموم هو عنوان الفاسق الذي هو عنوانٌ وجودي، كما قرر في علم الأصول. كذلك هاهنا ینتفي عنوان المخصص بالاستصحاب ویحكم بدخول المشكوك تحت العام.


[1] . هذا الحكم مرافق لمضمون روایات كثیرة منها:

[2] . صاحب الكفایة یقول بحجیة استصحاب العدم الازلي عند الشك في قرشیة المرأة وعدمها؛ محمد كاظم الخراساني، كفایة الاصول. (قم، موسسه آل البیت (علیهم السلام)، ط 1، 1409 ق) ص 223.