بسم الله الرحمن الرحيم
البحث التاسع
استعمال الطهور بمعنی الطهارة في بعض الروایات
طبعاً لا نقول: بأنّ الطهور لم یستعمل بمعنیٰ الطهارة، ولا ندعي ذلك. فالطّهور قد تمّ استعماله بمعنی الطهارة، جزئیاً في الروایات والاستعمالات. كما أنّ الإمام (علیه السلام) یقول في من تیمّم وصلّیٰ: إنّ صلاته صحیحةٌ ومجزئةٌ. والامام (علیه السلام) یعلّل ذلك بأنّه: «قد فعل أحد الطهورین» کما جاء في صحیحة محمد بن مسلم: «وبإسناده عن الحسین بن سعید، الشیخ بإسناده عن كتاب حسین بن سعیدٍ الاهوازي، الذي قال إنّ اسناده عن ذلك الكتاب صحیح. وحسین بن سعید من الأجلاء وهو أجلّ شأناً من أن یتكلم فیه «عن حماد، عن حریز، عن محمد بن مسلم» قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجلٍ أجنب، فتیمّم بالصعید، وصلّی وثم وجد الماء؟ قال: لا یعید إنّ ربّ الماء ربّ الصعید، فقد فعل أحد الطهورین».
هذا الطهور لا یصح أن یكون بمعنی ما یتطهّر به. والأنسان لا یقوم بإیجاد ما یتطهّر به بل الانسان یستعمله، ویقوم بإیجاد التیمم وایجاد الوضوء والغسل. و«فعل أحد الطهورین» أي أحد الفعلین اللذین أحدهما الوضوء أو الغسل والثاني التیمّم. هذا الشخص قد قام بإیجاد التیمم. أو في روایةٍ اخریٰ یقول (علیه السلام): «التیمم طهورٌ» هذا «الطهور» لا یصح أن یكون بمعنی ما یتطهّر به. التیمم هو طهارة. فنحن لا ننكر أنّ لفظ الطهور قد تمّ استعماله بمعنی الطهارة جزئیاً، وإن قالوا: الطهور في هذه الآیة المباركة (و سقاهم ربّهم شراباً طهوراً) بمعنی الطهارة، ولكن یجوز لنا أن نقول بأنّ الطهور في الآیة الشریفة لیس بمعنی الطهارة، بل بمعنی ما یحصل به الطهارة، ومن یرجع إلی الروایات الواردة في تفسیر هذه الآیة سیجد هذا المعنی. وفي نهایة المطاف كلامنا هو أنّ الطهور في هذه الآیة المباركة (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً) لیس بمعنی الطهارة ولا توجد هنا أي علاقةٍ تربطها به. بل هذا الطّهور بمعنی ما یتطهّر به.
فإحدی النقاشات هي: أنّ هذه الآیة (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً) لیس لها عمومٌ ولا تشمل جمیع المیاه التي یطلق علیها الماء المطلق. قد أوردنا علیه وقلنا: یصح القول بأنّ الآیة تشمل جمیع المیاه (بناءً علی أنّ الماء ینزل من السماء ویتحول إلی صورٍ مختلفة علی الارض) لكن لا یصح الحكم بأنّ جمیع المیاه یصدق علیها عنوان ما یتطهر به. بمعنی أنّ الطهارة تحصل بجمیع المیاه؛ لأنّ هذه الآیة المباركة لیست في مقام بیان حكم الماء فلا یجوز التمسك بإطلاقها، ولكنّ الآیة تشمل كلّ اقسام الماء. فتشمل ماء المطر والراكد الذي قلنا: بأن الماء الراكد ینزل من السماء. فإذا شملتهما تشمل جمیع المیاه أیضاً (بمعنی أنّ ماء المطر یكون سبباً لسایر المیاه المطلقة)، لكن إذا أردنا: أن نستفید من هذه الآیة (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً) بأنّ «كل ما ینطبق علیه عنوان الماء» تحصل به الطهارة الشرعیة، فلعل الآیة لا تساعدنا علی ذلك؛ لعدم توفر مقدمات الاطلاق. هذه الآیة المباركة (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً) لیست في مقام بیان هذا الحكم. فتبقی الشبهة علی حالها.
دراسة آیة (و ينزّل عليکم من السّماء ماءً ليطهّرکم به)
یقول الله تعالی في القرآن المجید: (و ينزّل عليکم من السّماء ماءً ليطهّرکم به)[1] كأنّ الآیة نزلت في غزوة بدر. إذ المسلمون لم یجدوا ماءً وكانت أرجلهم تنغمس في الرمال، فتیمّموا. لكنّ الماء كان بحیازة العدو. فأصابهم (المسلمين) الحزن. ثمّ أنزل الله تعالی مطراً للمسلمین فقاموا بالغسل ونالوا الطهارة المائیة، وأیضاً تسبب المطر في تثبت أقدامهم وعدم الانغماس في الرمال. یقول الله تعالی في هذه الآیة المباركة: (و ينزّل عليکم من السّماء ماءً ليطهّرکم به) إلی أن یقول: (ویثبت به الاقدام).
قیل: هذه الآیة المباركة تدلّ علی أنّ الماء مطهّر، والماء طهورٌ بمعنی ما یتطهر به، كأنّ هذه الآیة أوضح.
نوقش فیه، بأنّها: تشمل ماء السماء، ولا تشمل سایر المیاه. قد أجبنا عنه وأوضحناه في ضوء البحوث في خصوص هذه الآیة الشریفة.
أمّا لفظ «لیطهركم به» و«یثبت به الاقدام» یدلّ علی أنّ الماء، طهورٌ ولكنّ الشبهة التي ذكرت هاهنا هي: أنّ للماء جهتین، الجهة الأولیٰ: هي أنّ الماء هو ما یتطهر به تكویناً. فالاوساخ والاقذار العرفیة التي لها عینٌ خارجيةٌ تزول بالماء.
فمطهریة الماء وطهوریته بالنسبة لهذه الأقذار الخارجیة والاوساخ تكون تكوینیة. هذا لا علاقة له بالحكم الشرعي. فهو أثر الماء. وكلّ الاجسام لها أثر، وأثر الماء إحیاء كلّ شيء به. فالأثر تكوینيٌ والجعل جعلٌ تكویني. كما في (و جعلنا من الماء کلّ شيءٍ حيٍّ) فكما أنّ حیاة كلّ شيء بالماء، فالماء له میزةٌ اخری، وهي إزالة الاقذار والاوساخ من الثوب والبدن ومطهرٌ منها.
فالنقاش هو: أنّ هذه الطهوریة، طهوریةٌ تكوینیة. فهذا لیس محل الكلام، بل محل الكلام الطهوریة الاعتباریة. بمعنی أنّه یصح الوضوء والغسل بالماء، وإذا تنجس شيء بالنجاسة الحكمیة أي بالنجاسة الاعتباریة التي هي اعتبارٌ من الشرع فتزول نجاسته بالماء، والماء مطهرٌ لها ویزیل نجاسته الحكمیة بالاستعمال. والحمد لله رب العالمین.
[1]. سورة الانفال: الآیة 11.