من أحکام ماء المطر (ج 61)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الواحد والسّتون

القول بعدم نجاسة ماء المطر ولو بعد التغیّر والجواب عنه

وملخص الکلام هو الحکم بنجاسة الماء بجمیع أقسامه فیما إذا تغیّر أحد أوصافه الثلاثة من الریح أو اللّون أو الطّعم بوقوع النجاسة فیه.

بقي في المقام بیان ثلاثة أمورٍ لابد من ذکرها.

الأمر الاول؛ قال البعض: یستفاد من بعض الروایات الواردة في ماء ‌المطر أنّ لماء المطر خصوصیةً یمتاز بها عن سائر المیاه وهي عدم تنجّسه وإن تغیّر، وکأنّ من تلك الروایات صحیحة هشام بن الحکم.

ینقل «الکلیني، عن علي بن ابراهیم صاحب التفسیر، عن أبیه، عن ابن أبي عمیر، عن هشام بن الحکم» وهذا  السند مکرّرٌ وصحیحٌ في الکافي «عن أبي عبدالله (علیه السلام) في میزابین سالا أحدهما بولٌ والآخر ماء ‌المطر فاختلطا» علی الأرض «فأصاب ثوب رجلٍ لم یضرّه ذلك» هٰذا ما أفادته الروایة، ولٰکن فیما نحن فیه قرینةٌ خارجیةٌ تدلّ علی عدم لحاظ فرض التغیّر في ماء ‌المطر المذکور في الروایة. فالبول قلیلٌ، وماء المطر کثیرٌ، واختلاطهما لا یوجب التغیّر قطعاً لغلبة ماء المطر، وثمّة قرینةٌ خارجیةٌ اخرىٰ أبیّنها بعد ذکر الروایة الثانیة. ففي ‌المقام توجد قرینةٌ خارجیةٌ تدلّ علی عدم لحاظ فرض التغیّر في ماء المطر.

أسلوب التمسك بمرسلة الکاهلي والجواب عنه

الروایة الثانیة هي مرسلة یحیی بن عبدالله الکاهلي. ینقل الکلیني «عن عدةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحکم» ونحمل أحمد بن محمدٍ علی أحمد بن محمد بن عیسی، وکونه احمد بن محمد بن خالدٍ لا یقدح في صحة السند إذ کلاهما معتبران «عن علي بن الحکم»، وعلي بن الحکم کوفيٌ وهو من الاجلاء «عن یحیی بن عبدالله الکاهلي» وهو ناقلٌ معتبرٌ «عن رجل» فالروایة مرسلة السند إذ لم یعیّن الناقل عن الامام الصادق (علیه السلام) عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت: یسیل عليّ من ماء ‌المطر أری فیه التغیّر وأری فیه آثار القذر فتقطر القطرات عليّ وینتضح عليّ منه، والبیت یتوضّأ علی سطحه فیکفّ علی ثیابنا» وقد ٱستعمل التوضّؤ بالمعنی اللّغوي الشامل للغسل من النجاسة «قال: ما بها بأسٌ، لا تغسله» أي لا تغسل ثوبك أو بدنك المترشّح علیه. «کلّ شيءٍ یراه ماء المطر فقد طهر» هٰذا هو دلیل المشهور القائل بطهارة کلّ شيءٍ أصابه المطر من دون حاجةٍ إلى شرائط التطهیر کالغسل والعصر في الثّوب فلا تعتبر تلك الشّرائط في ماء المطر.

وفي الروایة کلمةٌ، وهي لفظ «یری» في قوله (علیه السلام): «کلّ شيءٍ یراه المطر فقد طهر» ولا شأن لنا بها، وقوله (علیه السلام): «کلّ شيءٍ» لیس محل الکلام. انّما محل الکلام هو قوله (علیه السلام): «ما بها بأس» إي لا بأس بهٰذه الترشحات، والمراد هو عدم تنجّس الثّوب والبدن بهٰذا الترشح. فالراوي فرض التغیّر في ماء المطر بقوله: أری فیه التغیّر وأری فیه آثار القذر، وقال الامام (علیه السلام): «ما بها بأس».

أقول: لیس من المقطوع أنّ قول الراوي: «أری فیه التغیّر وأری فیه آثار القذر» یکون من باب عطف التفسیر، بل هما فرضان کالفرض في قوله: «والبیت یتوضّأ علی سطحه» بمعنی أنّ جملة «أری فیه التغیّر» فرضٌ، والجملة الأخری «وأری فیه آثار القذر» فرضٌ آخر، وما قاله من أنّه «یسیل عليّ من ماء المطر أریٰ فیه التغیّر» لم یفرض فیه التغیّر بعین النجاسة وأوصاف النجاسة‌، بل المفروض هو مطلق التغیّر، ولعلّ المراد منه هو التغیّر بسبب وساخة الأرض إذ الأرض قذرةٌ عرفاً وعلیها ترابٌ یوجب تغیّر الماء، ورؤیة آثار القذر في قوله: «أری فیه آثار القذر» لا توجب التغیّر إذ یحتمل کونها عذرةً یابسةً یصیبها ماء ‌المطر بالتقاطر علیها فیترشّح، وهٰذا لا إشکال فیه ولا یحکم بنجاسته فلا دلالة للروایة علی أنّ آثار القذر توجب التغیّر. هٰذا أولاً.

وثانیاً: أنّ وجه الاشتراك في هٰذه الروایة والروایة السابقة هو الإطلاق، فیمکن أن یقال إنّ هٰاتین الروایتین مطلقتان وتشملان التغیّر بالنجاسة وحتی قوله: «أری فیه آثار القذر» یشمل ما إذا کان القذر قذراً رطباً منتشراً أو کان بولاً منتشراً أو دماً منتشراً. فغایة ما یمکن أن یقال هو الإطلاق.

رفع الید عن إطلاق الروایات في هٰذا المقام (عدم انفعال ماء المطر) بقرینة صحیحة هشام بن سالم

ونرفع الید من اطلاق الروایات السابقة بقرینة صحیحة هشام بن سالم.

«محمد بن علي بن الحسین بإسناده عن هشام بن سالم».

الشيخ الصدوق(ره) ینقل عن هشام بن سالم، وهشام ینقل عن الامام (علیه السلام) وقد ذکر الصّدوق طریقه في مشیخة من لا یحضره الفقیه، وقال: کلّ ما في ‌ٰهذا الکتاب عن هشام بن سالم رویته عن أبي.

«ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الولید ـ رضي الله عنهما ـ عن سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفرٍ الحمیري جمیعاً، عن یعقوب بن یزید، والحسن بن ظریف وأیوب بن نوح، عن النّضر بن سوید، عن هشام بن سالم».

وقد ذکر طریقاً آخر: «ورويته عن أبي2، عن علي بن ابراهیم، عن أبیه، عن محمد بن أبي عمیر، وعلي بن الحکم جمیعاً، عن هشام بن سالمٍ الجوالیقي».

وجاء في صحیحة هشام بن سالم: «أنه سأل أبا عبدالله (علیه السلام) عن السّطح یبال علیه فتصیبه السماء» أي ینزل علیه المطر «فیکفّ» أي یتقاطر من السّطح «فیصیب الثوب» کما هو الحال عند غزارة المطر فیتقاطر من السّقف علی أدوات البیت «فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء اکثر منه» والأکثر بمعنی الغلبة إي غلبة الماء علی البول. فهو کنایةٌ عن غلبة الماء، وهٰذا تعلیلٌ في الروایة کما لا یخفی، والتعلیل ظاهرٌ في أنّ الماء غالبٌ علی البول، وذکرنا أنّ غلبة الماء حسب ما بیّنها المعصوم (علیه السلام) في الروایات هي عدم تغیّر الماء. فقوله: «إن لم یتغیّر» و «إن غلب الماء» في مقابل «إن تغیّر الماء» عبارةٌ عن عدم التغیّر وعدم مغلوبیة الماء بالتغیّر. فمقتضی التعلیل في هٰذه الروایة هو انفعال ماء ‌المطر بالتغیّر، وعلیه فلا یبقی مجالٌ لتطرّق ما توهّم من مفاد الروایات من عدم تنجّس ماء المطر لخصوصیةٍ فیه.

انتهی الکلام في الأمر الاول. والحمد لله ربّ العالمین.