بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (73)
أحكام المياه
مسألة 11: «لا يعتبر في تنجّسه أن يكون التغيّر بوصف النجس بعينه، فلو حدث فيه لونٌ أو طعمٌ أو ريحٌ غير ما بالنجس ـ كما لو اصفرّ الماء مثلاً بوقوع الدّم تنجّس، وكذا لو حدثت فيه بوقوع البول أو العذرة رائحةٌ اخرىٰ غير رائحتهما فالمناط تغير أحد الاوصاف المذكورة بسبب النجاسة وإن كان من غير سنخ وصف النجس».[1]
عدم اعتبار تنجّس الماء بعين وصف النجس
يقول صاحب العروة(ره): لا يعتبر في تنجّس الماء ـ سواءٌ كان كراً أو جارياً أو ذا مادةٍ أو بلا مادة ـ أن يكون التغير بوصف النجس بعينه، أي لا يشترط في تنجّس الماء تغيره بنفس لون النجاسة أو طعمها أو ريحها، بل لو حدث فيه لونٌ أو طعمٌ أو ريحٌ غير لون النجس وغير طعم النجس وغير ريح النجس تنجّس. كما لو اصفر الماء مثلاً بوقوع الدّم أو اكتسب رائحةً غير رائحة البول الواقع فيه أو غير رائحة العذرة الواقعة فيه، ففي هٰذه الصّورة يتنجّس الماء. فكأنّ المناط في التنجّس هو تغير أحد الأوصاف المذكورة بسبب النجاسة وإن كانت من غير سنخ وصف النجس.
هذا ما أفاده صاحب العروة(ره).
رأي صاحب الجواهر(ره)
ذهب صاحب الجواهر(ره) إلی أنّ تنجّس الماء المعتصم بالتغير ينحصر بما إذا كان الوصف مماثلاً لوصف النجاسة أو مسانخاً له حيث قال: «والأقوىٰ في نظري أنّه متى حصل التغير في الجاري أو الكثير مع استناد التغيّر إلى تلك النجاسة التي تنجس بها المتنجّس نجس الماء وإلّا فلا».[2]
إذا حدث في الماء لونٌ مماثلٌ للون النجاسة أو مسانخٌ له أو اكتسب الماء رائحةً مماثلةً لرائحة النجاسة أو مسانخةً لها ـ كما لو صبّ دمٌ في الماء الكثير واصفرّ الماء ـ ففي هذه الصورة يحكم بنجاسة الماء؛ لأنّ الصفرة من سنخ الحمرة ویعد الاحمرار مؤشراً لدينا علی شدة الاصفرار، وكلما ضعفت الحمرة مالت إلى الصفرة فهما من سنخٍ واحدٍ ولا يحكم بنجاسة الماء إذا طرأ عليه بسبب النجاسة وصفٌ آخر مغايرٌ لوصف النجاسة عرفاً.
وكأنّ ما التزم به صاحب الجواهر مخالفٌ لكلام صاحب العروة(ره).
دليل صاحب الجواهر على اختصاص التغيّر بالمثل والسنخ
استدل صاحب الجواهر(ره)[3] علی ما ادّعاه بأنّ الأخبار الواردة في المقام لا تشمل سویٰ الصّورة التي ذکرناها بمعنی أنّ الأخبار تشمل صورة تغیّر الماء بوصفٍ مماثلٍ لوصف النجس أو مسانخٍ له ولا یشمل صورة تغیّر الماء بغیرهما.
هذا ما أفاده صاحب الجواهر(ره) وربما ینضمّ ما قاله السيد الحکیم(ره) إلى ما ذهب إليه صاحب الجواهر(ره) لتتميم كلامه حيث قال: إنّ المناط هو وصف النجاسة فلابدّ أن تكون النجاسة متصّفةً بذلك الوصف عند الاصابة والوقوع في الماء، إذ يمكن أن يكون النجس متصفاً بوصفٍ قبل وقوعه في الماء ومتّصفاً بوصفٍ آخر مغايرٍ لوصفه الأوّل حين وقوعه في الماء، وعلىٰ هذا لابد أن يكتسب الماء نفس وصف النجاسة الحادث فيه حين الاصابة؛ كما أنّ الحنّاء مثلاً تكون على شكل مسحوقٍ أخضر اللون وتطرأ عليها الحمرة عند القائها في الماء وحينئذٍ لو فرضنا وقوع نجسٍ ذي خاصّيةٍ كخاصيّة الحنّاء في الماء فلابد أن يكتسب الماء وصف الحمرة أو وصفاً مسانخاً لوصف الحمرة حتّى يحكم بنجاسته.
ووفقاً لبعض الروايات يظهر بجلاءٍ أنّ ما ذهب إليه صاحب الجواهر(ره) متينٌ لا غبار عليه.
ومنها موثقة سماعة الواردة في فرض تغيّر الماء بوصف النجس. «وبإسناد الشيخ عن كتاب الحسين بن سعيد» واسناده عن كتاب الحسين بن سعيدٍ صحيح. و«الحسين بن سعيدٍ الاهوازي» جليل القدر «عن عثمان بن عيسى» ولا بأس بعثمان بن عيسى، عن سماعة، وسماعة واقفي المذهب ولكنه ثقة. «عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرّجل يمرّ بالماء وفيه دابةٌ ميتةٌ قد أنتنت، قال: إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب».
وظاهر الرواية هو اكتساب الماء نفس نتانة الميتة بأن يقال كأنّ هذه الرائحة النتنة هي رائحة الميتة ومن سنخ النجس ومثله فإنّه لا يصحّ التوضّؤ بهذا الماء لأنّ مفهوم القضية الشرطية هنا هو جواز التوضّؤ والشّرب إذا لم يغلب النتن على الماء.
ولا يبعد أن يقال إنّ رواية علاء بن فضيل ظاهرةٌ في اتصاف الماء بوصف النجس.
ومنها ما رواه الشیخ: «بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب» نقل الشيخ(ره) هذه الرواية عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، وجلالة محمد بن علي بن محبوب واضحةٌ. «عن محمد بن عبدالجبار» وهو من الاجلاء «عن محمد بن سنان» ومحمد بن سنانٍ واقعٌ في سند الرواية فقط «عن العلاء بن الفضيل، قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن الحياض يبال فيها، قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» وكأنّ المستفاد من هذه الرواية هو اكتساب الماء لون البول، ولكنّه محل اشكالٍ؛ لأنّ هذه الروايات تشمل صورة وجود لونٍ ثالث.
[1]– السيد محمد كاظم اليزدي، العروة الوثقي (بيروت، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، ط 2، ت 1409ق) ج1، ص31.
[2]– الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام (بيروت، دار احياء التراث العربي، ط 7، ت 1404ق)، ج1، ص84.
[3]– ر.ج: محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، (بيروت، دار احياء التراث العربي، ط 7، ت 1404ق)، ج1، ص84.