بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (88)
التمسك بالنبوي الدال على أنّ «الكرّ لم يحمل خبثاً» في محل الكلام
ربما يقال إنّ النبوي المنقول عن كتاب أخبار غوالي اللئالي يقتضي ارتفاع النجاسة من الماء وإن زال تغيره بنفسه. فقد قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) علىٰ ما في الرواية: «الماء إذا بلغ قدر كرٍّ لم يحمل خبثاً» وهذا الخبر نقل مرسلاً عن كتاب غوالي اللئالي ومقتضاه أنّ الماء إذا بلغ قدر كرٍّ «لم يحمل خبثاً» أي لم تحدث فيه نجاسة. فالكرية تزيل النجاسة بعد أن صار الماء نجساً.
وقد تمسك بهذا النبوي ـ على ما سيأتي ـ في الماء القليل الذي كان نجساً ثمّ تمّم بطاهرٍ حتى بلغ حدّ الكرّ كما لو كان الماء القليل أقلّ من الكرّ بلترٍ واحدٍ فتنجس ثمّ صبّ عليه لترٌ واحدٌ من ماءٍ طاهرٍ حتى صار كراً.
قال (صلی الله علیه وآله): «الماء إذا بلغ قدر كرٍّ لم يحمل خبثاً» ومقتضى هذه الرواية رفع الخبث عن الماء القليل الذي صار كراً بعد حدوث النجاسة فيه، وقيل مقتضاها عدم تنجس الكرّ ولو كان متغيراً؛ لانه «لم يحمل خبثاً» وهو حكمٌ شرعيٌ نرفع اليد عن عمومه فيما إذا تغير الكر بوقوع النجاسة فيه، فالدليل يخرج الماء المتغير بوقوع النجاسة فيه عن هذا الاطلاق أو العموم مادام التغير باقياً، وإذا زال التغير ولو بنفسه فالمرجع هو العموم أو الاطلاق والحكم بطهارة الماء.
الدليل على ضعف التمسك بالنبوي المذكور: «الكرّ لم يحمل خبثاً»
وهذا الوجه ملحقٌ بالوجه الاول في الضعف؛ لأنّ الرواية مرسلةٌ من حيث السند أولاً، وقد نوقش في اعتبار كتاب غوالي اللئالي، وعلى أية حالٍ فإنّ الرواية مرسلةٌ وإن سلمنا اعتبار الكتاب ومؤلفه، وأيضاً لم يعمل بها المشهور لأنّ المشهور ـ كما ذكرنا ـ لم يلتزم بطهارة الماء النجس وإن تمّم بكرٍّ فلم يلتزم المشهور هناك ولا في المقام بطهارة ماء الكر المتغير بعد زوال تغيره، فكيف يمكن الاعتماد على هذا النبوي؟ ولا تجدي في المقام هذه الرواية وإن كانت صحيحةً من حيث السند وسندها صحيح أعلائي في الكافي لأنّ مدلولها هو عدم حمل الخبث بمعنى أنّ الكرّ لا يحمل النجاسة فالمعنى الظاهري لعدم الحمل هو عدم حدوث النجاسة في الكر. فإذا اتّصل الماء بعنوان الكرية وبلغ قدر كرٍّ لم يحمل الخبث، وأما إذا بلغ قدر كرٍّ وتغير بالنجس فهل يتنجس أو لا؟ إنّ هذا النبوي لا يتعرض لفرض التغير.
ولو أغمضنا النظر عن ذلك وقلنا: إن النجاسة لا تحدث في ماء الكرّ ورفعنا اليد عن هذا الاطلاق في موردٍ خصص بالدليل يقيناً واقتصرنا علىمقدار الدليل الموجود لدينا، والتزمنا بحدوث النجاسة فيما إذا تغير الماء مثلاً لشمل إطلاق عدم حمل الخبث صورة زوال التغير بنفسه.
لكن لو فرضنا أنّ الصحيحة كانت واجدةً لألفاظٍ جامعةٍ لعدم الحدوث وعدم البقاء وشاملةً لهما بالوضوح وصريحةً في المعنى الأعم لعدم الحمل كقوله: «الماء إذا بلغ قدر كرٍّ لم يحمل الخبث أي لم يحدث ولم يبق الخبث فيه» لما صحّ التمسك بها لما ذكرنا في بحث الأصول من أنّ إطلاق المخصص والمقيد مقدمٌ على اطلاق الدليل العام وعلى اطلاق الخطاب المطلق.
وكون إطلاق المخصص قرينةً على المراد من العام أو المطلق وما ينتج عنه في المقام، والوجه في ذلك هو أنّ اطلاق المخصص قرينةٌ على المراد من الكلام العام أو الكلام المطلق كما أنّ المخصص والمقيد قرينةٌ عرفيةٌ على المراد من العام والمراد من المطلق من دون فرقٍ بينهما. مثلاً لو قال المولى: «أكرم كلّ عالم» فهذا الكلام مطلقٌ أو عامٌ حسب الفرض، ويشمل كلّ عالمٍ وإن كبر سن العالم أو مرض ثمّ قال: «لا تكرم زيداً العالم» فهذا الكلام مطلقٌ أيضاً فيحرم إكرام زيدٍ العالم، سواءٌ كان سقيماً أو سليماً، شاباً أو شيخاً. فأيّ اطلاقٍ يقدم على الاطلاق الآخر؟ إنّه يقدم اطلاق المخصص على اطلاق العموم أو اطلاق المطلق. لأنّ اطلاقه قرينةٌ على المراد منه كما أنّ أصله قرينةٌ عليه.
والأمر كذلك في المقام؛ إذ المخصص دلّ على أنه «إذا تغير الماء الراكد الكثير البالغ قدر الكر وتغير طعمه تنجس» وهذا المخصص مطلقٌ يشمل صورة بقاء التغير وارتفاعه، وهذا الاطلاق مقدمٌ على اطلاق عدم حمل الخبث فيحمل اطلاق قوله: «لم يحمل» على عدم الحمل الحدوثي لا على عدم الحمل البقائي.
كما أنّ الأمر كذلك في الماء القليل. فإذا كان الماء القليل نجساً وتمّم كراً بلترٍ من الماء الطاهر أو النجس تنجس الماء كلّه؛ لأنّ اطلاق الادلة الدالة على تنجس الماء القليل بالملاقاة يشمل صورة تتميم القليل بالطاهر وعدمه، فكما رفعنا اليد عن اطلاق قوله: «لم يحمل خبثاً» بالادلة الدالة على بقاء النجاسة في الماء القليل النجس، سواءٌ بلغ حدّ الكر أم لم يبلغ، كذلك نلتزم في المقام ببقاء نجاسة الماء المعتصم المتغير وإن زال تغيره بنفسه، والأمر في المقام أوضح من مسألة تنجس الماء القليل الذي سنبحث عن كيفية تطهيره وارتفاع نجاسته بالتفصيل. فهنا ينفعل الماء المعتصم المتغير، سواءٌ بقي تغيره أو لم يبق تغيره.
فهذا الماء الكثير المتغير خاصٌ بالنسبة إلى النبوي: «الماء إذا بلغ كراً لم يحمل الخبث» لأنه يشمل ماء الكر المتغير النجس.
وصحيحة حريز واردةٌ في الماء النقيع الذي هو بقدر الكرّ وفيه الجيفة. والحمد لله ربّ العالمين.