معنى الاستهلاك الحقیقي (ج 43)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثالث والأربعون

إذا کان مرجع الاستهلاك إلی انعدام الموضوع، ورد النقض علیه، کما لو وقع خرء الفأرة في الحنطة الجافة وطحنت قبل أن تنقع بالماء لئلا ینجس الماء، واستهلك الخرء في الطحین الجاف؛ ففي هذا المثال لم تبق عین النجس ولزم الحکم بطهارة الطحین بناءً علی القول بأنّ حقیقة الاستهلاك هي انعدام الموضوع عرفاً کالاستحالة ولا یمکن الجواب عن هذا النقض، ومن هنا التزم بعض العلماء بطهارة العجین وافتوا بجواز اکل خبزه ولکن لا یمکن الالتزام به لانه نجسٌ ویحرم اکله.

دراسة المعنی الحقیقي للاستهلاك

نحن نبیّن معنی آخر للاستهلاك ونقول: إنّ الاستهلاك لیس انعداماً للموضوع لدی العرف؛ لأنّ العرف یقول بأنّ ماء الحوض مختلطٌ ویقول بأنّ ماء هذا النهر الجاري مختلطٌ مع التراب ولا یدعي بأنه ماءٌ خالصٌ من دون اختلاطٍ ولا ینفي الاستهلاك.

إذن لو کان خلیط الشيء قلیلاً بحیث أطلق عنوان الماء علی المجموع ولم یعتبر الخلیط لقلته طهر المضاف بالادلة الواردة في اعتصام الماء، کقوله (علیه السلام): «إذا کان الماء قدر کرٍّ لم ینجسه شيء» الوارد في ماء الغدیر الذي تلغ فیه الکلاب وتبول فیه الدواب وقوله (علیه السلام): «إن لم تغیره ابوالها فتوضأ منه» الوارد في الماء الذي تبول فیه الدواب. ومقتضی هذه الروایات نفي البأس عن استعمال الماء وشربه لأنّ المستهلك اتبع المعتصم في الحکم، والشارع ألغىٰ حکم الخلیط؛ لأنه قلیلٌ فیصدق عنوان الماء علی المجموع، ویسمی هذا الحکم بالتبعیة الحکمیة، وسنذکر الروایات إن شاء‌ الله تعالیٰ.

فالمستفاد من الأخبار هو بقاء الموضوع في الاستهلاك عند العرف لکثرة الماء وقلة الخلیط؛ ولذلك ینطبق عنوان الجزء الآخر وهو الماء علی المجموع ویترتب حکمه علیه شرعاً في موارد الماء المعتصم، وأما في موارد الماء القلیل ووقوع الخرء في الحنطة فیحکم بالنجاسة؛ لأنّ النجس باقٍ هناك ولا معنی للتبعیة الحکمیة‌ فیها، وهذه التبعیة الحکمیة مستفادةٌ من الادلة الواردة في الماء المعتصم کالکر والجاري والمطر والماء الذي له مادة؛ ففي أيّ موردٍ قام الدلیل علی استهلاك عین النجس وانتشارها نلتزم بأنه مطهّرٌ، والمستهلك تابعٌ لحکم المستهلك فیه ولیس له حکمٌ آخر سوی حکم المستهلك فیه، من دون فرقٍ بین استهلاك المضاف في الماء واستهلاك عین النجس فیه، کما في قوله (علیه السلام): «لا بأس بالماء فتوضأ واشرب».

نعم، لابدّ من عدم ظهور آثار عین النجس في الماء وعدم تغیر أوصاف الماء بها؛ لأنّ ما ینجّس الماء ویزیل الطهارة عنه هو التغیر بأوصاف عین النجس، لا التغیر بأوصاف المتنجس؛ فالحکم بطهارة المضاف لیس بمعنی استحالته وانعدام موضوعه؛ ولذلك قلنا إنّ الاستحالة في غیر السوائل وفي السوائل عند تعدد الاناء مطهرةٌ علی القاعدة؛ إذ الموضوع ینعدم في الاستحالة، وأین هذا من الاستهلاك؟ لأنّ الموضوع باقٍ في الاستهلاك ولکن لا موضوعیة له، بل له التبعیة ولا نلتزم بالتبعیة في استهلاك غیر الماء، کما في مثال الخرء والحنطة؛ ولذلك نحکم بالنجاسة فیه ووجوب الاجتناب عنه.

والحاصل أنّ ظاهر کلام السید(ره) هو الالتزام بانعدام الموضوع في الاستهلاك کالاستحالة، ولکن یرد النقض علی من ذهب إلى هذا القول کالسید الحکیم(ره) والمشهور. والحمد لله ربّ العالمین.