معنىٰ الإستهلاك (ج 53)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثالث والخمسون

محصل الکلام في باب الاستهلاك والبحث عن استهلاك العین النجسة أو المتنجّسة ومنها المضاف المتنجّس في الماء المعتصم هو وجود مسلکین ذکرهما صاحب العروة(ره) ونحن أضفنا مسلکاً آخر لینحصر المقام بثلاثة مسالك، وکان أحد الموارد استهلاك أجزاء الشّيء النجس في ماء الکرّ وانتشارها وتفرّقها في الماء المعتصم بحیث ینعدم النجس في الماء عرفاً وینتفي المتنجس بانتفاء موضوعه فیتنجّس الماء إذا تغیّر أحد أوصافه الثلاثة من الطعم والرائحة واللّون، ولکن لا عبرة بتغیّر الماء بما عدا الأوصاف الثلاثة بسبب وقوع النجاسة فیه کما لو ألقیت المیتة في الماء ولکن لم یتغیّر لونه أو طعمه، بل ازدادت مرارته أو طرأ الثقل علیه وخرج عن الخفّة، والحاصل انه إذا تغیّر الماء بالنجاسة من حیث الرّقة والغلظة أو الخفّة والثقل أو نحو ذلك من دون حصول التغیّر باللّون والطعم والرّیح لم یتنجس.

ملاقاة النجس، شرط تنجّس الماء المتغیّر في الأوصاف الثلاثة

مسألة 9: «الماء المطلق بأقسامه ـ حتّی الجاري منه ـ ینجس إذا تغیّر بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة: من الطعم والرائحة واللّون، بشرط أن یکون بملاقاة النجاسة، فلا یتنجّس إذا کان بالمجاورة، کما إذا وقعت میتةٌ قریباً من الماء فصار جائفاً، وأن یکون التغیّر بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجس، فلو وقع فیه دبسٌ نجسٌ فصار أحمر أو أصفر لا ینجس إلّا إذا صیّره مضافاً. نعم، لا یعتبر أن یکون بوقوع عین النجس فیه. بل لو وقع فیه متنجسٌ حاملٌ لأوصاف النجس فغیّره بوصف النجس تنجّس أیضاً، وأن یکون التغیّر حسّیاً فالتقدیري لا یضر، فلو کان لون الماء أحمر أو أصفر فوقع فیه مقدارٌ من الدّم کان یغیّره لو لم یکن کذلك لم ینجس، وکذا إذا صبّ فیه بولٌ کثیرٌ لا لون له بحیث لو کان له لونٌ غیّره، وکذا لو کان جائفاً فوقع فیه میتةٌ کانت تغیّره لو لم یکن جائفاً وهٰکذا، ففي هذه الصّورة ما لم یخرج عن صدق الإطلاق محکومٌ بالطّهارة علی الأقویٰ».

المقام الثاني هو تنجس الماء بحصول التغیر في أحد أوصافه الثلاثة بملاقاته النجاسة ووقوع النجاسة فیه، وأما إذا تغیّر أحد أوصافه الثلاثة أو کلّها من دون أن یلاق نجساً فلا یتنجّس کما لو اکتسب الماء رائحةً نتنةً بسبب مجاورته لمیتةٍ جائفةٍ لا بملاقاته لها ووقوعها فیه.

المقام الآخر الذي نبحث فیه هو تغیّر لون الماء أو طعمه أو ریحه بوقوع المتنجس فیه لا بوقوع عین النجس فیه؛ فإذا تغیّر أحد أوصافه الثلاثة بأوصاف المتنجس لا بأوصاف عین النجس لم یتنجّس الماء کما لو القي نسیجٌ متنجّسٌ بالبول في ماء ‌الکر وتغیّر لون الماء بانحلال لون النسیج فیه لأنّ الأقمشة المصبوغة بعضاً أو غالباً تکون ألوانها غیر ثابتةٍ فتنحلّ ألوانها خلال الغسیل وتغیّر لون الماء.

یوجد فرضان في صورة تغیّر الماء بملاقاة المتنجّس:

أحدهما: أن یکون المتنجّس حاملاً لأوصاف عین النجس وتسري أوصاف عین النجس من المتنجّس إلی الماء ویتغیّر الماء بها ونلتزم بتنجّس الماء في هذا الفرض وإن لم تکن عین النجس موجودةً في المتنجس کما لو ألقي نسیجٌ جافٌ ملوّثٌ بالبول الکثیر وسرت صفرة البول الجاف من النسیج إلى الماء فیتنجّس الماء لا محالة.

ثانیهما: أن یتغیّر الماء بأوصاف المتنجّس نفسه، وفي هذا الفرض لا یتنجّس الماء ولا عبرة بالتغیّر الحاصل من أوصاف المتنجّس کما لو ألقي نسیجٌ أسود في ماء ‌الکر وتغیّر لون الماء بسبب لون النسیج الأسود.

والحاصل أنه لابدّ من أن یکون التغیّر ناشئاً من أوصاف النجس ولا یعتبر التغیّر الحاصل من أوصاف المتنجّس.

هناك مقامٌ آخر یبحث فیه عن المناط في التغیّر وأنّ المناط هو التغیّر الفعلي لا التغیّر التقدیري، وإذا کان المناط هو التغیّر الفعلي فلا یوجب التغیّر التقدیري تنجّس الماء؛ مثلاً إلقاء المیتة في الماء في موسم الشّتاء لا یغیّر الماء، بخلاف ما إذا ألقیت فیه في موسم الصّیف، فلو ألقیت المیتة في ‌الماء في الشّتاء ولم یتغیّر الماء لأجل برودة الجوّ لم یتنجّس الماء وإن کانت تغیّره لو لم یکن موسم الشّتاء وکان الجوّ حاراً. فالتغیّر التقدیري بجمیع أقسامه لا یوجب تنجّس الماء. والحمد لله ربّ العالمین.