بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (78)
قوله «لأنّ له مادّة» ومقتضی هٰذا التعلیل للطهارة بالاتصال
نحن نقول إنّ التعلیل راجعٌ إلى الطهارة، لأنّ الإمام (علیه السلام) قال: «حتّى یذهب الریح ویطیب طعمه» أي «حتى یطهر». «فینزح حتى یذهب الریح» إي «حتى یطهر» فذهاب الریح مساوٍ للطهارة. لماذا ذهاب الریح یساوق الطهارة؟ لأنّ له مادّةً ولذلك یطهر، نقول: إنّ التعلیل راجعٌ إلى هذا الأمر الأخیر المطوي في قوله (علیه السلام): «حتى یذهب الریح ویطیب طعمه» لا إلى قوله (علیه السلام): «فینزح» لأنّ التغیّر یزول بالنزح لا محالة، فلو کان التعلیل راجعاً إلى النّزح لصار معناه أنّ التغیّر یزول بالنزح لأنّ له مادّة. وهذا السنخ من التعلیل یماثل ما لو أردنا تعلیلاً لقولنا: «السماء فوقنا» وهو کما تریٰ لأنّه لا یحتاج إلى التعلیل، والکلّ یعلم أنّ التغیّر یزول بالنزح ویعوّضه الماء النابع من المادّة، فذلك لا یلائم کلام الامام (علیه السلام). هذا التعلیل أمرٌ واضح. فالمستفاد من الغایة في قوله (علیه السلام): «فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه» هو الطهارة وقوله (علیه السلام): «لأنّ له مادّة» راجعٌ لها. فیطهر ماء البئر إذا زال تغیّره لأنّه متّصلٌ بالمادة وهذا الاتصال بالمادة موجبٌ للطهارة.
وسیأتي إن شاء الله تعالىٰ أنّ المادة في روایات الحمّام تطلق علی الخزانة الأصلیة التي یجري منها الماء إلى الحیاض الصغار التي یستخدمها الناس للاستحمام. «ماء الحمّام بمنزلة الجاري لأنّه له مادّة» والمادّة هي الماء المعتصم الذي لا ینجس کمادة ماء البئر وإن کانت طینا.
فیستفاد من التعلیل في هذه الروایة أنّ الاتصال بالمادة موجبٌ لطهارة الماء، ویطبّق نفس هذا التعلیل فیما نحن فیه، إذ یزول التغیّر عن المقدار المتغیّر من ماء الحوض ویتّصل الباقي بالماء المعتصم ویطهر کلّه بالاتصال.
وبعبارةٍ اخرى: یحتمل رجوع التعلیل في قوله (علیه السلام): «لأنّ له مادة» إلى الحکم الأوّل وهو قوله (علیه السلام): «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيء إلّا أن یتغیّر…» ومعناه أنّ ماء البئر معتصمٌ فلا ینفعل إلّا إذا تغیّر؛ لأنّ له مادّة.
هذا الرجوع أمرٌ محتملٌ إذ یحتمل رجوع القید الأخیر الذي تعقّبه جملٌ متعدّدةٌ إلى الحکم الاول ولٰکنّه خلاف الظاهر، بل الظاهر هو رجوعه إلى الحکم الأخیر أو إلى الجمیع، والحکم الأخیر فیما نحن فیه هو قوله (علیه السلام): «فینزح حتی یذهب الریح ویطیب الطّعم» الذي تستفاد منه طهارة الماء بعد زوال التغیّر.
فالمتیقّن هو رجوع «لأنّ له مادّة» إلى «ذهاب الریح وطیب الطّعم».
فمقتضی التعلیل هو رجوعه إلى الحکم الأخیر ولو رجع إلى الحکم الاول أیضا.
دلیلٌ آخر علی عدم اعتبار الامتزاج
ویستفاد من هذه الصحیحة الواردة في ماء البئر، عدم اشتراط الامتزاج وإن وضعنا التعلیل جانبا؛ لأنّ الامام (علیه السلام) حکم بتنجّس ماء البئر المتغیّر الذي لم یذهب ریحه وقلنا أنّ ماء البئر لا یمتزج بماء المادة بعد أن زال تغیّره بنزح الدلاء الأخیرة، فالماء النجس کان متّصلاً بالمادة المعتصمة فطهر کلّه بذهاب التغیّر. فالروایة تحکم بأنّ ماء البئر نجسٌ مادام التغیّر باقیاً ویطهر کلّه بزوال التغیّر، ونفس هذا الحکم في الروایة دلیلٌ علی عدم اشتراط الامتزاج ولو کان التعلیل غیر مذکور فیها.
والأمر کذلك في ماء الحوض؛ إذ لا فرق بینه وبین ماء البئر، ولا مسوّغ للتفصیل؛ لأنّ التفصیل غریبٌ عن الفهم العرفي ولا یلائمه، فإنّ الماء ماءٌ والامتزاج إن کان معتبراً فهو معتبرٌ في جمیع المیاه، وإن لم یکن معتبراً فهو غیر معتبرٍ في جمیع المیاه.
الاستدلال بموثّقة حنّانٍ علی عدم اشتراط الامتزاج
قد مرّ أنّ في الصحیحة تعلیلاً مقتضاه کفایة الاتصال بالمادة في الطهارة، والمراد من المادة هي الماء المعتصم، والقرینة على ذلك إطلاق المادة في روایات الحمّام علی الخزانة الأصلیة التي یکون ماؤها معتصما، فالاتصال بالماء المعتصم یوجب الطهارة، وقد استفادوا کفایة الاتصال وعدم اعتبار الامتزاج من موثّقة حنّانٍ الواردة في ماء الحمّام.
و«قد نقل الشیخ(ره) هذه الروایة عن الکلیني عن الحسین بن محمد، عن عبدالله بن عامر، عن علي بن مهزیار، عن محمد بن اسماعیل، عن حنّان بن سدیر».
وهذه الروایة موثقةٌ من حیث السند «قال سمعت رجلاً یقول لابي عبدالله (علیه السلام) إنّي أدخل الحمّام في السّحر وفیه الجنب وغیر ذلك، فأقوم فأغتسل، فینتضح عليّ بعد ما افرغ من مائهم، قال: ألیس هو جارٍ؟ قلت: بلىٰ، قال لا بأس». والحمد لله رب العالمين.