بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الحادي عشر
المستفاد من الآیة الشریفة (و ينزّل عليکم…) في مسألة مطهریة الماء من الخبث
یستفاد من الآیة الشریفة (و ينزّل عليکم من السّماء ماءً ليطهّرکم به) إنّ الماء مطهرٌ من الحدث. هذه الآیة نزلت في غزوة بدر، عندما أصبح الصحابة مجنبین علی غیر ماء، فانزل الله علیهم ماءً من السماء تفضّلاً منه تعالیٰ.
هنا نذكر وجهاً حول كیفیة غسل الجنابة ـ وستأتي في محلها ـ وهو أنّ الروایات تدل علی وجوب ازالة الخبث الدافق من الانسان (وهو المني هنا) وتطهیر المحل المتنجس بالمني قبل الغسل (ورفع الحدث) فیغتسل المكلف بعد الازالة وتطهیر المحل.
وظاهر الروایات تشریع الحكم علی هذا السیاق من أول التشریع (أي تطهیر محل الطهارة من الخبث قبل الغسل) وأنّ الامام (علیه السلام) إذا بیّن حكماً أو بیّن متعلقاً لحكمٍ شرعيٍ مجعولٍ ومعتبر، فظاهره تشریع الحكم كذلك من اول التشریع، وفي هذا المقام تجب ازالة الخبث أولاً، ولمّا دلت الآیة المباركة علی رفع الحدث یقیناً دلت أیضاً علیٰ إزالة الخبث قبل رفع الحدث؛ لأنّ معنی تشریع الغسل هو ازالة الخبث أولاً والقیام بالغسل ثانیاً.
ومن هنا یعلم أنّ الماء إذا كان مزیلاً للخبث ورافعاً للحدث فهو مزیلٌ لسائر النجاسات من دون فرقٍ بینها. فالماء لو كان مزیلاً ومطهراً من المني فهو مطهرٌ من النجاسات بأجمعها.
مطهریة جمیع المیاه المستفادة من آیة التیمم
وهنا كلامٌ آخر وهو الحكم بمطهریة جمیع انواع الماء من الحدث والخبث استناداً إلیٰ آیة التیمم؛ (يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهکم… و إن کنتم جنباً فاطّهّروا…)إلی قوله تعالیٰ: (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا)[1] فإطلاق الآیة یدل علی ثبوت التیمم عند عدم وجدان أيّ ماءٍ، وانتفاء التیمم عند وجدان أيّ ماءٍ من المیاه، وقوله تعالی: (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا) أي لم تجدوا طبیعي الماء. فالآیة تدلّ علی أنّ طبیعي الماء مطهرٌ من الحدث والخبث، ولا یصح الاغتسال قبل ازالة الخبث. فتشریع كیفیة الغسل في الآیة متلازمٌ مع تشریع ازالة الخبث لوجوب تطهیر المحل المتنجس بالمني، وهذا یدل علی أنّ الماء رافعٌ للحدث ومزیلٌ للخبث.
فدلالة هذه الآیة الشریفة علی مطهریة الماء من الحدث والخبث في الجملة أوضح من الآیتین السابق ذكرهما. في تینك الآیتین یصاحب لفظ الماء لفظ السماء، أي المطر، وقلنا إنّ جمع الماء في مكانٍ لا یخرجه عن كونه مطراً. وتانك الآیتان تشملان ماء المطر فقط، أمّا الأیة الشریفة (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا) فتشمل جمیع المیاه، ولا تختص بماء المطر، وهي اضافةً إلی ذلك تكون في مقام بیان الحكم، وهو تشریع التیمم عند عدم التمكن من استعمال طبیعي الماء، وطبیعي الماء یشمل جمیع المیاه، سواء كان ماء البحر أو ماء البئر أو الراكد القلیل أو الكثیر ماعدا الماء المتنجس فإنه خارجٌ بالادلة الروائیة الواردة حول المیاه المتنجسة، فالایة المباركة (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا) لها اطلاقها أي تشمل جمیع المیاه، وهي في مقام بیان الحكم الشرعي فلا اشكال في التمسك بهذه الآیة علی مطهریة جمیع المیاه، وإذا طرأ الشك في كیفیة التطهیر فهو موضوعٌ آخر، وقلنا أنّه لا یجوز التمسك بهذه الآیات وانما یصح الاستدلال بها علی مطهریة المیاه، كما أنّ الماء الصناعي المكون من الأكسجين والهیدروجین، مطهرٌ أیضاً لأنّ الماء في هذه الآیة الشریفة مطلقٌ ویشمل ماءً یقوم البشر بانتاجه حسب هذه التركیبة الثنائیه (H2O) ولا ترد أيّ شبهةٍ علیها، وهي تدل علی المطهریة من الحدث والخبث في الجملة. هذا كله بالنسبة إلی الآیات.
(والحمد لله ربّ العالمین)
[1]. سورة المائده (5)، آیة 6.