مراد الهمداني من أصالة عدم المانع (ج 29)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث التاسع والعشرون

دراسة مراد الهمداني(ره) من اصالة عدم المانع

لا یصح هذا الوجه من الاستدلال علی تنجس المضاف الكثیر ویمكن التساؤل بأنّ المراد من اصالة عدم المانع وعدم مانعیة الكثرة هل هو الاصل العملي والاستصحاب، أي كأنّ الشارع لم یجعل التنجس للمضاف المقید بعدم الكثرة، بل جعله لمطلق المضاف من دون تقییدٍ فعند الشك یستصحب عدم جعل التنجس للمضاف المقید بعدم الكثرة في مقام الثبوت؟ والجواب عنه هو أنّ هذا الاصل لا یثبت جعل التنجس لمطلق المضاف؛ لأنّ الاطلاق والتقیید ضدان في مقام الثبوت فلابدّ للشارع أن یأخذ المضاف المقید بعدم الكثرة موضوعاً للتنجس أو یأخذ المضاف علی نحو اللا بشرط موضوعاً له من دون مدخلیة الكثرة وعدم الكثرة فیه؛ ولهذا فإنّ استصحاب عدم جعل الحكم للمضاف المقید بعدم الكثرة في مقام الثبوت لا یثبت جعل الحكم لمطلق المضاف في مقام الثبوت.

المفروض عدم وجود اطلاقٍ لفظيٍ في رأیه(ره)، ولو هو ثابتٌ عندنا ونتمسّك به كقوله (علیه السلام): «الّا أن یكون حوضاً كبیراً یستقیٰ منه»؛ لأنّ الكلام في مقام الثبوت ولا یوجد اطلاقٌ في مقام الاثبات، وهذا الاستصحاب یلزم جعل الحكم لمطلق المضاف في مقام الثبوت من دون خطاب، ولا ریب أنّ هذا أصلٌ مثبت. أو أنّ المراد من اصالة عدم المانعیة هو وجود طریقٍ عقلائيٍ لاحراز الواقع عند الشك كما یدعیه البعض؟ كالشك في الشبهات الموضوعیة واحتمال وجود مانعٍ عند التوضؤ مثلاً وعدم الاعتناء به واصالة عدم المانع هو طریقٌ أو أصلٌ عقلائيٌ لاحراز الواقع، ومثبتاته حجةٌ. ویرد علیه بأنّه لا سبیل إلی الكشف عن عقلائیة هذا الاصل، ولم یثبت عندنا عدم اعتناء العقلاء بالشك عند احتمال وجود المانع والتردد، ولم یكشف لنا حتی الآن أنّ احراز الواقع عند العقلاء یتحقق بعدم الاعتناء بالشك عند الشبهة وعدم الاطمئنان، والله اعلم بالمستقبل، والظاهر أنه لن تكشف حقیقة الحال؛ لأنّ العقلاء یقومون بالفحص ویحرزون الواقع به، لا سیما إذا اقتضی التكلیف إحراز الواقع.

فتحصل مما ذكرنا أنّ المضاف ینفعل من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره لا لتلك الوجوه التي أشیر إلیها، بل لاطلاق بعض الروایات كموثقة أبي بصیر، الواردة في فضل الكلب؛ «إلّا أن یكون حوضاً كبیراً یستقیٰ منه».

عدم تنجس المضاف الجاري من العالي إلی السافل أو الجاري بالدفع

«نعم، إذا كان جاریاً من العالي إلی السافل ولاقی سافله النجاسة لا ینجس العالي منه، كما إذا صبّ الجلاب من ابریقٍ علی ید الكافر فلا ینجس ما في الابریق وان كان متصلاً بما في یده». بناءً علی كون الجلاب مضافاً، وكذلك لا ینجس العالي من الماء المطلق الذي صبّ علی ید الكافر، وظاهر الفقهاء ومنهم صاحب العروة(ره) اتحاد المضاف والمطلق في هذا الحكم وعدم نجاسة العالي عند ملاقاة السافل.

هناك مسألةٌ في باب الماء المطلق وهي مسألةٌ جریان الماء بقوةٍ وعدم تنجس الدافع حین ملاقاة المدفوع للنجاسة وان كان الماء قلیلاً ولم یكن الجریان من العلو كما لو لاقی الموضع الاعلی من النافورة للنجاسة، وسنذكر في باب الماء المطلق سرّ ذلك وانصراف أدلة تنجس الماء القلیل إلی غیر صورة التدافع وإن كان الدافع والمدفوع ماءً واحداً.

وسيأتي الدلیل في مسألة الاتصال وأنّه إذا اتصل الماءان وبلغ المجموع حدّ الكر أو كان أحدهما قلیلاً فاتصل بالكر اتّحدا في الحكم، وتعتبر في الاتصال الوحدةٌ العرفیة لا العقلیة؛ لأنّ الاتصال مساوقٌ للوحدة عقلاً فلا تصدق الوحدة العرفیة فیما إذا كان الاتصال ضعیفاً أو كان الفصل بین الماءین طویلاً، وسنذكر الاتحاد الحكمي للماءین المتصلین، واعتصام المجموع إذا بلغ حدّ الكر، وانفعال المجموع بانفعال أحدهما إذا لم یبلغ حدّ الكر وفقاً لنصوص الحمام وغیرها من الادلة.

الاشكال في تنجس المضافات المنفصلة عرفاً

لا تدل الروایات الواردة في السّمن والزیت وفضل الكلب علی تنجّس المضافات المتصلة باتصالٍ ضعیفٍ حین ملاقاةٍ أحدهما للنجاسة وعدم صدق الوحدة العرفیة علیها؛ إذ لا دلیل علی نجاستها، والمناط في الاتصال هو الوحدة العرفیة لا العقلیة؛ لأنّ الوحدة العقلیة تساوق الاتصال. نعم، یتنجس جمیع المضافات إذا حصلت الوحدة العرفیة لدخوله في المستثنی منه.

ولا فرق بین المضاف والقلیل الجاریین من دفعٍ من جهة عدم تنجس الدافع بملاقاة المدفوع للنجاسة إذ الأدلة منصرفةٌ إلی غیر صورة الدافع والمدفوع في كلا الماءین؛ ولذلك یكون المناط في قوله(ره): «إلّا إذا كان جاریاً من العالي إلی السافل» إمّا الدفع أو الجریان من العالي إلی السافل، وأمّا تعدد المضافات بحیث لا تصدق علیها الوحدة وإن لم تكن جاریة، كما لو كان اتصال المضافات ضعیفاً؛ كالأنابیب المتعدّدة التي تربط الأوعیة المتفرقة باتصالٍ خفیفٍ وضعیفٍ في المصانع والمعامل وقد حكم بتنجس الجمیع عند تنجس أحدها وإن لم تصدق الوحدة العرفیة علیها.

ولكن أشرنا سابقاً إلی إشكالٍ في تنجس الأواني التي لم تلاق النجاسة ولم تصدق الوحدة العرفیة علیها لعدم شمول الادلة لهذه المسألة، ولنا الدلیل في الماء المطلق، ولا محلّ لقیاس الأولویة فیما نحن فیه ولا حرج علی من اطمأن بالحكم بالنجاسة من دون فرقٍ بین الماء وغیره ولكننا لا نطمئن به وإن كان موافقاً للاحتیاط. والحمد لله ربّ العالمین.