عدم الدلیل على تحدید الماء المضاف (ج 26)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث السادس والعشرون

دراسة وجه عدم الدلیل علی تحدید المضاف المتنجس

ذكر دلیلٌ آخر علی انفعال المضاف الكثیر بالملاقاة وهو أنّا إذا فرضنا أكراراً وحوضاً كبیراً مضافاً كألفٍ كرٍّ ـ كما في عبارة صاحب العروة(ره) ـ ولاقی نجسٌ احد اطرافه وقلنا بعدم انفعاله أصلاً فهو مخالفٌ للارتكاز والأدلة المتقدمة، وإن قلنا بانفعاله فیقع الكلام في تحدید ذلك وأنّه یتنجس بأيّ مقدار، مثلاً: إذا وقعت قطرة دمٍ في حوضٍ كبیرٍ فهل نلتزم بتنجسه بمقدار شبرٍ أو نصف شبرٍ من حوالي تلك القطرة، أو بأزید من ذلك أو اقل؟ لا سبیل إلی تعیین شيءٍ من ذلك إذ لو قدّرنا الانفعال بمقدار شبرٍ مثلاً فلأحدٍ أن یسأل عن أنّه لماذا لم یقدّر شبرٌ ونصف؟ فیتعین أن یحكم بنجاسته جمیعاً.

نقول: لو تمت دلالة الاخبار المتقدمة علی تنجس المضاف من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره فهذا الحوض الكبیر المضاف الملاقي للنجس داخلٌ في المستثنی منه لا في المستثنیٰ، ویحكم بنجاسته جمیعاً وإن لم تتم دلالة تلك الاخبار ـ كما لو اعتبرنا كلام المحقق الهمداني(ره) ـ وقلنا بعدم شمول الادلة للمضاف الكثیر فنحكم بعدم نجاسته وعدم انفعال المضاف الكر كالمطلق الكر لأنّ القول بالتنجس یفتقر إلی الدلیل، ومع عدم الدلیل نلتزم بعدم الانفعال، ونرجع إلیٰ أصالة الطهارة؛ «كلّ شيءٍ طاهر حتی تعلم انّه قذر».

فهذا الوجه من الاستدلال لا یصلح أن یكون دلیلاً علیٰ تنجس المضاف من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره في جنب الأدلة المتقدمة كما في التنقیح.

وزبدة الكلام هي أنّ الدلیل علی التنجس منحصرٌ بتلك الروایات مضافاً إلی وجود التسالم في المسألة وعدم وجود خلافٍ فیها فنلتزم بتنجس المضاف.

دراسة استدلال الوسائل بروایة جابرٍ الجعفي في باب انفعال المضاف

نقل صاحب الوسائل(ره) روایةً في باب انفعال المضاف بملاقاة النجس وكأنّه استدلّ بها علی تنجس المضاف وهي رویة جابر الجعفي: «وبإسناده عن محمد بن احمد بن یحیی» ینقلها الشیخ عن كتاب محمد بن احمد بن یحیی، وإن كان كلامٌ في بعض اسناد نوادر الحكمة «عن محمد بن عیسی الیقطیني» وهو العبیدي الیقطیني «عن النضر بن سوید» وهو من الاجلّاء «عن عمرو بن شمر» وهذه الروایة ضعیفةٌ سنداً والضعف من جهة عمرو بن شمرٍ الواقع في سندها؛ وقد زیدت أحادیث في كتب جابرٍ نسب بعضها إلیه «عن جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: أتاه رجلٌ فقال: وقعت فأرةٌ في خابیةٍ فیها سمنٌ أو زیتٌ فما تریٰ في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر (علیه السلام): لا تأكله، فقال له الرجل: الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها، قال: فقال أبوجعفر (علیه السلام) انك لم تستخف بالفأرة وإنما استخففت بدینك إنّ الله حرّم المیتة من كلّ شيء».

تناسب روایة جابر الجعفي مع باب ملاقي أحد اطراف الشبهة المحصورة

هذه الروایة تدل علی انفعال المضاف بملاقاة النجس وتوهم استلزام حكم آخر منها؛ بیان ذلك: أنّ مقتضی حرمة المیتة في الروایة هو حرمة اكل الزیت الملاقي لها أي تنجس الزیت بملاقاة المیتة، والمستفاد من الروایة هو حرمة اكل الزیت الذي وقعت فیه الفأرة لأنّ وجوب الاجتناب عن اكله هو مقتضی دلیل حرمة المیتة ولا یستفاد من الروایة نفس حرمة المیتة لأنّ السائل لم یقصد اكلّ الفأرة، بل أراد اكل الطعام الملاقي لها، وقال له الامام (علیه السلام): «إنك لم تستخفّ بالفأرة وإنّما استخففت بدینك؛ إنّ الله حرّم المیتة من كلّ شيءٍ» فكأنّ الامام (علیه السلام) جعل عدم الاجتناب عن الملاقي استخفافاً بالدین، وبیّنه بهذا الأسلوب (إنّ الله حرّم المیتة) [ولو لم تقتض حرمة المیتة حرمة اكل الزیت لما صحّ إلقاء اللّوم علی السائل مع توجیه ذلك بتحریم المیتة]. فالمستفاد من الروایة هو أنّ عدم الاجتناب عن الملاقي في حكم عدم الاجتناب عن المیتة ومن خالف عدم الاجتناب عن الملاقي فقد خالف حرمة المیتة.

الثمرة العملیة لهذین المسلكین:

1- دلالة الروایة علی أنّ المضاف ینفعل بملاقاة النجس

2- وجوب الاجتناب عن ملاقي المیتة واستفادة حرمة اكل الزیت من حرمة اكل المیتة.

والثمرة تظهر في ملاقي أحد اطراف الشبهة المحصورة؛ مثلاً إذا علم إجمالاً بأنّ أحد الدبسین نجسٌ ثمّ لاقیٰ المضاف أحدهما من دون علمٍ تفصیلي به فالمشهور هو عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، ونحن نوافق المشهور في هذا الرأي لعدم تنجّز العلم الإجمالي بالنسبة إلی وجوب الاجتناب عن الملاقي، وأنّ الاجتناب عن الملاقي حكمٌ آخر غیر حكم الاجتناب عن الملاقیٰ (بالفتح) فیرجع فیه إلی البراءة وأصالة الطهارة.

وأمّا بناءً علی الاقتضاء وأنّ حرمة اكل الزیت مستفادةٌ من حرمة اكل المیتة فتنجّز العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة وملاقاة المضاف لأحد اطرافها موجبٌ لحرمة الملاقي ووجوب الاجتناب عنه.

والحمد لله ربّ العالمین.