بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الخامس والخمسون
عدم اعتبار النبوي المنقول عن ابن إدریس
قد ذکرنا النبوي المنقول في السّرائر لٱبن إدریس(ره) وهو قوله (صلی الله علیه وآله): «خلق اللّه الماء طهوراً لا ینجّسه شيءٌ إلّا ما غیّر طعمه أو لونه أو رائحته» وفیه أولاً: أنّ هٰذا الحدیث النبوي لا سند له فلا یعتدّ به، وثانیاً: نسأل ابن إدریس ومن وافقه بأنّ المراد من الاتّفاق علیه في روایته هل هو اتّفاق جمیع الخاصة والعامة وأرباب الحدیث ورواته والمحدثین أو معظمهم من العامة والخاصة أم بعضهم؟ فإن کان المراد اتّفاق الجمیع علی نقله فهو خلاف الواقع؛ لأنّ الکتب الروائیة والجوامع التي بین أیدینا مأخوذةٌ من الجوامع الأولیة فلو کان هٰذا الخبر موجوداً فیها لنقله الشیخ أو الصّدوق أو الکلیني(رهم) لنا عن طریقٍ مّا، فیکشف من عدم نقله في کتب أصحابنا أنّه غیر متّفقٍ علیه في روایته عند أرباب حدیث الشّیعة أو معظمهم. فهٰذا الإدّعاء خلاف الواقع.
إذن لا عین ولا أثر لهٰذا الحدیث في الجوامع الحدیثیة وإنّما نقله المحقق في المعتبر من دون سندٍ معلومٍ ولعلّه(ره) ناقلٌ عن العامة إذ لا سند له، وکتاب المعتبر لیس کتاباً جامعاً لأخبار الشّیعة، بل هو مجرد کتابٍ فقهي ربما ینقل فیه خبراً عن الخاصة أو العامة، وعلی هٰذا الأساس لا یعتدّ بما ذکره(ره) من أنّ جمیع أصحاب الحدیث من الشّیعة أو معظمهم أو جلّهم أو نصفهم أو أقلّ من نصفهم متّفقون علیه في روایته؛ لأنّه خلاف الوجدان والعادة.
وإن کان المراد هو النقل عن بعض أصحاب الحدیث من الإمامیة الذین من شأنهم تناقل الحدیث وإن کان شخصاً واحداً فلا یجدي في المقام لأنا نتساءل أین سنده؟ وعمّن رواه؟ وإلى أین یصل سنده؟ فلابد من ملاحظة السّند، ولم یصل إلینا سنده.
فالإجماع علی نقل الخبر والاتّفاق علیه بحیث لا یفتقر إلى السّند ویدخل في سنّةٍ من سنن الرّسول الأکرم (صلی الله علیه وآله) غیر ثابتٍ ولا یشهد له الوجدان، والمحقّق(ره) رواه مرسلاً فعلینا أن نبحث عن الرّاوي وکیفیّة نقله، فالله العالم ولعلّه(ره) ناقلٌ عن العامة.
ضرورة دراسة السّند في الروایات المنقولة في دعائم الإسلام
وأما حول الروایة المنقولة في دعائم الإسلام فقد تعرّضنا لها بالتفصیل في کتابنا «إرشاد الطالب» وقلنا إنّ الحدیث علی تقدیر ٱعتبار مؤلفه النعمان بن محمّدٍ القاضي وٱعتبار کتابه لا سند له ولا سند لسائر روایاته. فما هو سندٌ ما نقله في دعائم الإسلام «عن جعفر بن محمّد (علیه السلام) أنّه قال: إذا مرّ الجنب…»؟
ولا یجدي ما قاله من الاقتصار علی الصّحیح من الأحادیث لأنّ ما یفیدنا هو توثیق الرواة الذي نعبّر عنه بالتوثیق العام ولکن لم تثبت وثاقة رواته فلا نجري حکم التوثیق العام لهم لأنّه مصرّحٌ بصحّة الحدیث، والصّحة في کلام بعض القدماء لا تدلّ علی توثیق الراوي وإنما تدلّ علیٰ عدالة الرّاوي، وهم کانوا یجرون أصالة العدالة لإثبات عدالة الرواة کما نقل عن الصّدوق وغیره (رهم) بأنّ الأصل في راوي الحدیث أو کلّ مسلمٍ هو العدالة فیجب البناء علی عدالته؛ لأنّ العدالة هي عدم العلم بالفسق، فالمسلم محکومٌ بالعدالة ما لم یظهر الفسق منه، ولعلّ صاحب دعائم الإسلام کان یجري أصالة العدالة في الرّواة عند النقل عنهم أو عن کتبهم ولذٰلك أشار إلىٰ صحة الروایات الّتي کان ینقلها ولٰکننا لا نثق بما رواه العدول من الرّواة بهٰذا المعنیٰ ولا تعتبر تلك الروایات في إثبات الأحکام الشّرعیة الإلٰهیة. فلابد لنا من دراسة السّند وملاحظة اعتباره کي نعلم بأنّ مقتضی الروایات هو قول المشهور أم لا.
دلالة صحیحة حریزٍ علی کفایة التغییر في بعض أوصاف الماء
ومن الروایات التي نعتمد علیها في المقام صحیحة حریز بن عبدالله: «محمّد بن الحسن» شیخ الطائفة ینقل عن أستاذه الشّیخ المفید(ره) «عن محمّد بن محمّد بن النعمان المفید، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه» وجعفر بن محمّد بن قولویه القمي من الأجلاء، وهو ینقل عن أبیه محمّد بن قولویه، والأب لا یماثل الابن من جهة نقل الحدیث، ولٰکنّه من الثّقات العدول، وروایة الأب معتبرةٌ کروایة الٱبن «عن سعد بن عبدالله القمي، عن أحمد بن محمّد» والظاهر أنّ أحمد بن محمّدٍ هو أحمد بن محمّد بن عیسی، ولا ضیر إن کان خالداً بقرینة «الحسین بن سعیدٍ وعبدالرّحمٰن بن أبي نجران» وحسین بن سعیدٍ الأهوازي وعبدالرّحمٰن بن أبي نجران ینقلان عن «حمّاد بن عیسی، عن حریز بن عبدالله عن أبي جعفر (علیه السلام)» والروایة صحیحةٌ من حیث السّند بناءً علی ما نقله الشّیخ(ره) «کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ من الماء وٱشرب» والمراد من غلبة الماء هو عدم التغیّر بقرینة التفریع «فإذا تغیّر الماء وتغیّر الطّعم فلا توضّأ منه ولا تشرب» هٰذا التفریع قرینةٌ علیٰ أنّ المراد من غلبة الماء هو عدم التغیّر. والحمد لله ربّ العالمین.