بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الثاني عشر
طهوریة مطلق المیاه
هنا نبحث في الموضوع من جهتین: الجهة الأولیٰ: هي أنّ الطهوریة من الحدث والخبث هل تختص ببعض المیاه أو بجمیع المیاه؟ وهل یوجد إطلاقٌ أو عمومٌ من الكتاب والسنة للتمسك به عند الشك أم لا؟
الجهة الثانیة: هي كیفیة التطهیر من الحدث والخبث بعد الفراغ من إثبات أنّ بعض المیاه أو كلّها مطهرةٌ من الحدث والخبث؛ مثلاً، هل یجب الغسل مرتین عند التطهیر من الخبث أم یكفي الغسل مرةً واحدةً؟ وهل یعتبر الغسل من الأعلی في الوضوء أم یكفي غسل الوجه والیدین كیف ما اتفق؟
والجهة الثانیة، لیست محل كلامنا في هذا المقام. إنّما البحث هنا في الجهة الأولیٰ وهي البحث عن عمومٍ أو اطلاقٍ یتمسك به عند الشك في اختصاص الطهوریة ببعض المیاه أو بجمیعها لنحكم بأنّه «لا فرق بین ماءٍ وماءٍ آخر» من جهة الطهوریة، وكلّ ماءٍ مطلقٍ مطهرٌ. «الماء المطلق بجمیع اقسامه مطهرٌ من الحدث والخبث».
اطلاق طهوریة المیاه المستفاد من آیة التیمم
قلنا إنّ الماء مطهرٌ من الحدث مطلقاً لدلالة الآیة المباركة (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا)[1]. هذه الآیة واردةٌ في مقام بیان تكلیف المصلي، أي ما هو تكلیف المحدث بالحدث الأصغر أو الأكبر عند فقد الماء؟ مقتضی اطلاق الآیة هو ثبوت التیمم للمكلف إذا لم یجد ما یصدق علیه الماء مطلقاً ومقتضی المقابلة في الآیة هو عدم جواز التیمم عند وجدان قسمٍ من الماء كماء البحر. والجنب یغتسل: (و إن کنتم جنباً فاطّهّروا)[2] وبدن الجنب نوعاً مصابٌ بالخبث، ویستفاد من كیفیة الغسل وآدابه ـ وهو التطهیر من الخبث أولاً وغسل الرأس والرقبة والمنكبین ثانیاً ـ أنّ الماء یزیل خبث المني، ولا یحتمل الفرق حینئذٍ بین خبث المني وغیره.
اطلاق طهوریة المیاه المستفاد من الروایات
الجهة المفروغ عنها هي أنّ الآیة المباركة (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا) تبیّن المطهریة من الحدث ولا یهمنا النقاش في المطهریة من الخبث، بل یكفینا الاطلاق في الروایات. فكما أنّ الماء مطهرٌ من الحدث، هو مطهرٌ من الخبث أیضاً.
یذكر الامام (علیه السلام) قضیة بني اسرائیل في صحیحة داوود بن فرقد:[3] «كان بنو اسرائیل إذا أصاب احدهم قطرة بولٍ قرّضوا لحومهم بالمقاریض ـ وقد وسّع الله علیكم بأوسع ما بین السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً». قلنا: إنّ المراد من الطهوریة هو الطهوریة الاعتباریة لأنّ الطهوریة بمعنی إزالة الماء للأوساخ والاقذار لا تختص بالمسلمین وأمة رسول الله (صلی الله علیه وآله) بل الماء مزیلٌ للأوساخ والأقذار في بني اسرائیل وسائر الأمم. والطهوریة هنا هي الطهوریة الاعتباریة، والشارع اعتبر لنا الطهوریة من المتنجس عند اصابة البدن بالنجاسة ولم یكن هذا الاعتبار موجوداً في بني اسرائیل؛ «وقد وسّع الله علیكم بأوسع ما بین السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً». الماء طهورٌ شرعيٌ والروایة لم تذكر ماءً خاصاً في مقام بیان الطهور. فمقتضی الروایة هو أنّ كلّ ماءٍ مطلقٍ طهورٌ، وكذا الروایات التي سنشیر إلیها ـ مثل قوله (علیه السلام): «اصابه قذر» وقوله (علیه السلام): «إغسله بالماء» أو «صبّ علیه الماء» ـ لم تقید الماء، بل تشمل كلّ ماءٍ إلّا الماء المتنجس بناءً علی روایاتٍ كقوله (علیه السلام): «یهریقهما ویتیمم». فالماء المتنجس لیس مطهراً من الحدث ولا من الخبث. أمّا سائر المیاه (ما عدا الماء المتنجس) یدخل تحت هذه الاطلاقات.
وما ورد في وصف الماء بأنّه «لا یرفع حدثاً» كالماء المستعمل فهو مقیدٌ، ومقتضی الاطلاق عند عدم التقیید هو مطهریة كلّ ماءٍ من الحدث والخبث.
الأحكام الاربعة للماء المضاف
بیّن صاحب العروة (قدس سره) المناط في الماء المطلق والماء المضاف، وقال: إنّ جمیع اقسام الماء المطلق مطهرٌ من الحدث والخبث. ثمّ ذكر أربعة أحكامٍ للماء المضاف في المسألة الأولی من هذا الفصل:
الحكم الاول: هو أنّ الماء المضاف طاهرٌ في نفسه
الحكم الثاني: هو أنّ الماء المضاف «لا یرفع حدثاً ولا خبثاً» حتی في حال الاضطرار.
الحكم الثالث: هو «إن لاقی نجساً تنجس وإن كان كثیراً، بل وإن كان مقدار ألف كرّ».
الحكم الرابع: هو أنّ «الماء المضاف ینجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأس إبرةٍ في اطرافه فینجس كله إلّا إذا كان جاریاً من العالي إلی السافل ولاقی سافله النجاسة. فإذا كان جاریاً من العالي إلی السافل ولاقی سافله النجاسة لا ینجس العالي منه كما إذا صبّ الجلاب من إبریقٍ علی ید كافرٍ فلا ینجس ما في الابریق وإن كانً متصلاً بما في یده.» والحمد للّه ربّ العالمین.
[1] . سورة المائدة (5)، آیة 6.
[2] . سورة المائدة (5)، آیه 6.
[3]. محمد بن الحسن الطوسي2 باسناده، عن محمد بن احمد بن یحیی، عن یعقوب بن زید، عن ابن ابي عمیر، عن داود بن فرقد، عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: «كان بنو اسرائیل اذا اصاب احدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاریض…» الشیخ حر العاملي، وسائل الشیعة (قم، موسسة آل البیت (علیهم السلام) چ 1، ت 1409 ق) ج 1، 133 و134.