طهارة الماء المضاف (ج 13)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثالث عشر

دراسة الحكم الاول: طهارة الماء المضاف

أما الحكم الأول وهو كون الماء المضاف طاهراً في نفسه فمبیّنٌ وواضحٌ ولا حاجة في التكلم عنه. قلنا إنّ الماء المضاف إمّا یحصل بعصر الاجسام كماء البرتقال وماء الرمان، وأما یحصل بالامتزاج كامتزاج الماء بالتراب أو الماء باللبن حتی یصبح مخیضاً أو الماء بالملح الكثیر حتی یثخن الماء به، وقد مرّ أنّ الماء المضاف لا ینحصر في الامتزاج والعصر، بل یصدق اطلاق المضاف علی الرطوبات الخارجة من بدن الانسان كماء الفم وماء الانف وماء العین ویطلق علیها الماء مقیداً، ولا یصح اطلاق الماء علیها بلا قیدٍ إلّا بالعنایة والتجوز.

ما یخرج من جسمٍ طاهرٍ كالرمان والبطیخ والبرتقال، طاهرٌ بلا شك، ولا یعد ذلك من المتنجسات لأنّ النجاسات في الشریعة معلومةٌ ومنحصرةٌ في عدة أشیاء، ولا وجه لنجاسة ما یخرج عصراً من شيءٍ طاهر. فالسوائل المعتصرة من أشیاء طاهرةٍ كالفواكه لیست نجسة. ومن هنا یظهر أنّ امتزاج الماء بالملح الطاهر وباللبن الطاهر حتی یصبح مخیضاً لا یجعله نجساً، ولا وجه لنجاسته، ولا دلیل علی نجاسة الرطوبات الخارجة من بدن الانسان، كماء الفم وماء الانف أو ماء العین، وتوجد روایاتٌ علی طهارة العرق ونفي البأس عنه إذا خرج من البدن وأصاب الثوب، وكذلك الریقٌ ونحوه. فالماء المضاف في نفسه طاهرٌ، ومحكومٌ بالطهارة ما لم یلاق نجساً. هذا واضحٌ ولا یحتاج الی مزیدٍ من التكلم فیه.

دراسة الحكم الثاني: عدم ارتفاع الحدث والخبث بالماء المضاف

المضاف لا یرفع حدثاً ولا خبثاً. هذا هو الحكم الثاني، وله جهتان لابدّ من البحث فیهما.

الجهة الأولیٰ هي «أنّ المضاف لا یرفع حدثاً» كما هو المشهور بین الاصحاب قدیماً وحدیثاً.

لأنّ الرافع للحدث هو الماء المطلق، سواءٌ كان حدثاً أكبر أو حدثاً أصغر.

نعم، قد نسب إلی الصدوق(ره) بأنّه أفتی وحكم بجواز التوضؤ بماء الورد، وإذا جاز الوضوء جاز الغسل أیضاً لعدم الفرق بین الوضوء والغسل، ونسب إلی المحدث الكاشاني(ره) وهو من المتأخرین القول برفع الحدث بماء الورد، ونقل عن ابن عقیل(ره) وهو من القدماء الالتزام برفع الحدث بالمضاف عند الضرورة.

والكلام هنا یدور حول مقتضی الادلة. فنقول: ما هو مقتضی الادلة؟ یقول المشهور بعدم جواز رفع الحدث بالماء المضاف، كماء الورد، ولكن هل یوجد دلیلٌ علیٰ خلاف المشهور؟

مقتضی الادلة هو اختصاص رفع الحدث بالماء المطلق، وماعدا الماء المطلق لا یرفع الحدث ولو كان ماءً مقیداً. فالمضاف لا یرفع الحدث أبداً، سواءٌ في حالة الاختیار أو عند الاضطرار.

دلیل اختصاص رفع الحدث بالماء المطلق

تدل روایاتٌ علی أنّ غیر الماء لا یرفع حدثاً وإنّ الماء المطلق یرفع الحدث، والماء المضاف لا یرفع الحدث، مثل روایة أبي بصیر: «إنّ المضاف لا یرفع حدثاً ولا یزیل خبثاً»[1]. محمد بن الحسن، وهو شیخ الطائفة، عن المفید(ره)، عن الصدوق، وهو ینقل عن «محمد بن الحسن» الولید «عن محمد بن یحیی» العطار القمي «عن محمد بن أحمد بن یحیی» الاشعري «عن محمد بن عیسی، عن یاسین الضریر عن حریز، عن أبي‌بصیر». ومحمد بن عیسی هو محمد بن عیسی العبیدي الذي ینقل عن یاسین الضریر وحریز بن عبدالله السجستاني ینقل عن أبي‌بصیر «عن أبي‌عبدالله (علیه السلام) في الرجل یكون معه اللبن، أیتوضأ منه للصلاة؟» والوضوء في اللغة هو الغسل، واطلاق الوضوء بلا قیدٍ ینصرف إلی الوضوء الذي هو شرط الصلاة، وفي هذه الروایة قیّد الوضوء بالصلاة. «قال: لا إنّما هو الماء والصعید.» اي لا تحصل الطهارة الصلاتیة إلّا بالماء والصعید.

نعم، مورد الروایة هو اللبن، ولا دخل له بالموضوع؛ لانّ الماء لا یطلق علی اللبن، لا مطلقاً ولا مقیداً، واللبن هو الحلیب أو المخیض، كما هو شائعٌ في المصطلح الخارجي. إنّما الكلام في الحصر وتعلیل الامام (علیه السلام) بقوله: «إنّما هو الماء والصعید» وهذا التعلیل یدل علی أنّ غیر الماء ومنه الماء المضاف لا یرفع حدثاً.

دراسةٌ رجالیةٌ في روایة یاسین الضریر

في سند هذه الروایة یاسین الضریر، ولم یثبت توثیقٌ له، وقد نوقش في سندها لأجل ذلك. لكنّ هذه الروایة صحیحةٌ، ولا اشكال في سندها؛ لأنّ الشیخ ینقل الروایة عن حریزٍ بسندٍ آخر. قال الشیخ(ره) في كتابه الفهرست حول حریز بأنّه «اخبرنا بجمیع كتبه وروایاته»[2] وذكر اسناداً ومنها هذه الروایة: «عدةٌ من اصحابنا عن محمد بن علي بن الحسین» الصدوق «عن أبیه، عن سعد بن عبدالله، وعبدالله بن جعفر، ومحمد بن یحیی وأحمد بن ادریس، وعلي بن موسی بن جعفر ـ كلّهم ـ عن أحمد بن محمدٍ، عن حسین بن سعید» وأحمد بن محمدٍ هو أحمد بن محمد بن عیسی أو أحمد بن محمد بن خالد، ولا فرق في كون الراوي ابن عیسی أو ابن خالد، والظاهر انه ابن عیسیٰ علی ما ذكرناه في الرجال، وهو ینقل «عن حسین بن سعید، وعلي بن حدید، وعبدالرحمن بن أبي نجران» وكلّهم من الاجلاء «عن حماد بن عیسی الجهني عن حریز.» وللشیخ أیضاً سندٌ آخر لروایاته. فسند الروایة واضحٌ، ودلالتها علی الحصر واضحة: «إنّما هو الماء والصعید، وقد نوقش في هذا السند إذ فیه محمد بن عیسی العبیدي، ولكن قلنا أنّه جلیل القدر، وروایته معتبرة، ومع غض النظر عن اعتبار الروایة التي في سندها محمد بن عیسی العبیدي فهناك سندٌ آخر كما قلنا ولا نقاش فیه ولا كلام في الدلالة علی الحصر.

والحمد للّه ربّ العالمین.


[1] . الشیخ حر العاملي، وسائل الشیعة (قم، موسسة آل البیت (عليهم السلام)، ط 1 ت 1409 ق)، ج 1، ص 201.

[2] . ورد في الفهرست جمیع اسانید الشیخ إلی حریز؛ محمد بن الحسن الطوسی، الفهرست، (النجف الاشرف، مكتبة الرضویة، ط 1 ت…) ص 63.