بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الرابع والسّتون
الروایات الدالة علی تنجّس الماء بالتغیّر
إن قال أحدٌ: لا! أنا لا أعترف بکون هذه (الروایات المستند إلیها في تغییر الماء) إرشاداً إلی تنجّس الماء. قلت: إنّ فیها أخباراً تدلّ علی تنجّس الماء بالتغیّر (حینما یتغیّر الکرّ بوقوع عین النجس فیه) کصحیحة هشام بن سالمٍ الواردة في ماء المطر، قال (علیه السلام)
وقوله (علیه السلام): «لأنّ الماء اکثر» یعني عدم تغیّر الماء ومقتضی التغییر هو تنجّس ماء المطر بالتّغیّر، ویجري حکم ماء المطر في سائر المیاه بطریقٍ أولیٰ، ووجه الأولویة هو تطرّق ٱحتمال خصوصیةٍ في ماء المطر.
وأیضاً صحیحة ابن عمار تدلّ علی النهي عن غسل الثّوب بماء البئر إذا تغیّر بملاقاة النجاسة وأنتن، فإن أنتن، غسل الثوب وأعاد الصلاة، و«الشیخ ینقل سند الروایة عن المفید، والمفید عن احمد بن محمد، عن أبیه» وأحمد بن محمدٍ إما هو أحمد بن محمد بن الولید، وقلنا لا توثیق له، أو أحمد بن محمد بن یحیی[1] ولا توثیق له أیضاً، ولکنّ الروایة صحیحةٌ حسب ما نبیّنه، وأحمد بن محمد ینقل «عن أبیه»، وأبوه إما محمد بن الحسن بن الولید أو محمد بن یحیی «عن محمد بن الحسن الصفار» والظن بل الاقوی من الظن یقضي بأنه احمد بن محمد بن الحسن بن الولید «عن احمد بن محمد بن عیسی، عن الحسین بن سعید، عن حمّاد» وهو حمّاد بن عیسی: «عن معاویة بن عمار» هذا هو السند. محمد بن الحسن الصفار من الاجلاء وجلالة احمد بن محمد (بن عیسی الأشعري القمي) واضحةٌ وأظهر، والحسین بن سعیدٍ الاهوازي وحماد بن عیسی ومعاویة بن عمارٍ کلّهم ثقات. إنما الاشکال في أحمد (الواقع في ابتداء السند) «قال: سمعته یقول: لا یغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا وقع في البئر إلّا أن ینتن» أو «أصبح نتناً» «فإن أنتن» ماء البئر «غسل الثوب وأعاد الصلاة» وغسل الثّوب یعني غسله لتنجّسه.
ودلالة هذه الروایة علی تنجس الثوب واضحة.
الدلیل علی کون روایة معاویة بن عمارٍ صحیحةٌ في المقام
وأحمد بن محمدٍ لا یضر بصحة الروایة لجهتین:
الجهة الأولیٰ: هي وقوع الحسین بن سعیدٍ الاهوازي في سند هذه الروایة: «عن المفید، عن احمد بن محمد، عن أبیه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن احمد بن محمد، عن الحسین بن سعید» هو الحسین بن سعیدٍ الاهوازي. ذکر الشیخ في الفهرست الحسین بن سعیدٍ الاهوازي وقال في شأنه: «الحسین بن سعید بن حماد بن سعید بن مهران الأهوازي من موالي علي بن الحسین (علیه السلام)، ثقةٌ، روی عن الرضا وعن أبي جعفرٍ الثاني الامام محمدٍ التقي (علیه السلام) وعن أبي الحسن الثالث وأصله کوفيٌ وٱنتقل مع أخیه الحسن إلى الاهواز» فتلقّب بالحسین بن سعیدٍ الأهوازي «ثمّ تحوّل إلى قم، فنزل علی الحسن بن أبان، وتوفّي بقم».
وقال: «له ثلاثون کتاباً وهي کتاب الوضوء و کتاب الصلاة و…»
وقال في الأخیر: «أخبرنا بجمیع کتبه وروایاته ابن أبي الجید القمي»[2] ثمّ یذکر السند، ومن أسنادها: «وأخبرنا بها عدّةٌ من أصحابنا، عن محمد بن علي بن الحسین» وهو الصدوق «عن أبیه ومحمد بن الحسن» وهو محمد بن الحسن بن الولید «ومحمد بن موسی المتوکل، عن سعد بن عبدالله والحمیري، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن الحسین بن سعید» فهذا السند صحیحٌ ولا یوجد فیه أحمد بن محمد بن یحیی ولا أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید (کي یضرّ عدم وثاقتهما بصحة السند) «أخبرنا بجمیع کتبه وروایاته».
فهذه الروایة صحیحةٌ تدلّ علی المقام من دون قدحٍ فیها.
الجهة الثانیة: الظاهر ـ والله العالم ـ هو الاطمئنان بأنّ المراد من أحمد بن محمدٍ هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید الذي ینقل عن أبیه عن الصفار.
یقول الشیخ في شأن محمد بن الحسن الصفار: «اخبرنا بجمیع کتبه وروایاته» لا اشکال فیه وروایته صحیحةٌ في المقام، وما ٱستثناه الشیخ هو کتاب بصائر الدّرجات من کتب الصفار، فقال «لم یروه عنه ابن الولید» إي لم یرو من محمد بن الحسن بن الولید عن البصائر فتبین أنّ هٰذه الروایة التي نقلها محمد بن الحسن بن الولید غیر منقولةٍ عن کتاب بصائر الدّرجات، بل منقولةٌ عن غیره، وسنده إلى الصفار في غیر بصائر الدّرجات صحیحٌ ولا إشکال فیه، والله العالم، وأمّا روایة الحسین بن سعیدٍ الاهوازي فهي تامّةٌ وإن لم یتمّ سند ما نقله ابن الولید.
المقام الثاني: التنجّس ولزوم التغیّر بالملاقاة لا بالمجاورة
محصّل الکلام في المقام الاول: إذا تغیّر الماء بأحد أوصافه الثلاثة تنجّس، سواءٌ کان الماء المطلق جاریاً أو کان ماء البئر، ذا مادة، والتغیّر في غیر أوصافه الثلاثة لا یوجب التنجّس.
المقام الثاني: لابدّ أن یکون التغیّر في أحد أوصافه الثلاثة الموجب للحکم بنجاسة الماء مستنداً إلى ملاقاة الماء للنجاسة، والملاقاة في مقابل المجاورة، فإذا کان النجس قریباً من الماء بحیث سرت النتانة من عین النجس إلى الماء وٱکتسب الماء رائحةً نتنةً وتغیّر ریحه أو طعمه بسبب المجاورة لم یؤثّر ذلك في ٱنفعال الماء المجاور للنجّس، بل الماء یبقیٰ علی طهارته وإن کان تغیّره مستنداً إلى عین النجس؛ إذ التغیّر لا یوجب النجاسة ما لم تصب الماء عین النجاسة ولم تقع فیه. فما هو الدّلیل علی لزوم ٱستناد النجاسة إلى وقوع النجس في الماء وإصابة النجس للماء وتغیّره بها وعدم کفایة المجاورة ونحوها؟
وقد تسالم العلماء علی هٰذا الحکم ولم تنقل مخالفةٌ في المسألة لا من القدماء ولا من المتأخّرین.
وقبل الورود في الروایات المستفاد منها عدم ٱعتبار التغیّر بالمجاورة ونحوها لابدّ من ذکر مقدمةٍ مختصرةٍ مفیدةٍ وهي:
إنّ الروایات الواردة في الماء ـ التي ذکرنا بعضاً منها ـ تبیّن لنا میزةً في الماء یمتاز بها الماء عن سائر السوائل، وهي عبارةٌ عن عدم تنجّس الماء ما لم یتغیّر؛ لأنّ البشر بحاجةٍ إلى الماء لإزالة الأوساخ والخبائث والقذارات العرفیة واستعماله في الشرب والغسل وغیر ذلك. فمیزة الماء المجعولة من قبل الشارع هي الحکم بطهارة الماء ما لم یتغیّر أحد أوصافه الثلاثة. فهذه الروایات واردةٌ في مقام بیان «إنّ الله جعل الماء طهورا» أو «کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ منه وٱشرب، فإذا تغیّر الماء وتغیّر الطّعم فلا تتوضّأ» وتفید التّوسعة في الماء.
أولویة الماء بالنسبة إلى سائر السوائل في عدم النجاسة بالمجاورة
علی هذا لا یکون الماء أسوأ حالاً من سائر المایعات. فلا یتنجّس المضاف بمجاورة عین النّجس له وتغیّر ریحه بها لأنّ أدلة تنجّس المضاف والروایات الواردة فیه تقضي بوقوع النجس کالفأرة وغیرها فیه، وإذا لم یتنجّس المضاف بالتغیّر بسبب المجاورة فکیف یتنجّس الماء بها؟ ومضافاً إلى ذلك أنّ المفروض في الروایات الواردة بشأن الماء هو نجاسة الماء بوقوع النجاسة فیه وتغیّره به، والعمدة من الأدلة، صحیحة حریز: «کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة توضّأ من الماء وٱشرب، فإذا تغیّر الماء وتغیّر الطّعم فلا توضّأ منه ولا تشرب». هٰذه الصحیحة هي العمدة في المقام وهي مطلقةٌ ولم یفرض وقوع النجس في الماء فیها، ولکن ثمّة روایاتٌ تدلّ علی فرض وقوع النجس في الماء نحو: «عن الماء القلیل تبول فیه الدّواب إن تغیّر الماء فلا تتوضّأ» فقد فرض وقوع البول في الماء، و«کذٰلك الدّم إذا سال في الماء وأشباهه» وفي صحیحة أبي خالدٍ القمّاط: «في الماء یمرّ به الرّجل وهو نقیعٌ فیه المیتةٌ والجیفة» ماءٌ فیه المیتة والجیفة، ونحو روایة علاء بن الفضیل: «عن الحیاض یبال فیها؟ قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» وصحیحة عبدالله بن سنان: «عن علي بن ابراهیم، عن محمد بن عیسی بن عبید، عن یونس بن عبدالرحمن، عن عبدالله بن سنان قال: سأل رجلٌ أبا عبدالله (علیه السلام) وأنا حاضرٌ عن غدیرٍ أتوه وفیه الجیفة؟ فقال: إن کان الماء قاهراً لا توجد منه الریح فتوضّأ» وهکذا سائر الروایات. والحمد لله ربّ العالمین.
[1]– تکملة لبحث الاستاذ(ره): أما ما أورده المستشکل من تردد أحمد بن محمد بین الشخصین فلا یخلو عن اشکال لانه منصرف إلی احمد بن محمد بن الولید کما تدل علیه الدلائل والقرائن؛ منها:
الف) الفاصل بین الطبقات
احمد بن محمد بن یحیی العطار القمي، هو من مشایخ الشیخ الصدوق المتوفی سنة 381ﻫ وأبوه من مشایخ المرحوم الکلیني سنة 328ﻫ فیستحیل نقل الشیخ المفید عن احمد بن محمد بن یحیی من دون وسائط للفاصل الزمني الموجود بینهما.
ب) اشتراك المشایخ في العناوین
خمسة من مشایخ الشیخ المفید یسمون بـ«احمد بن محمد»: الجرجرائي، أبو غالب الزراري، العلوي الزاهد، ابن الصلت ووجه التمایز هو عدم نقل أحد منهم عن أبیه الا احمد بن محمد بن الحسن بن احمد بن الولید والشیخ الطوسي(ایده الله) نقل عن طریق احمد بن محمد عن أبیه… 221 روایة.
[2]– ابن أبي الجید والمراد منه علي بن احمد بن محمد بن طاهر بن أبي الجید القمي، من مشایخ النجاشي موثوق وان لم تذکر ترجمته في الکتب الرجالیة.