رد إشکال المحقق الهمداني (ج 25)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الخامس والعشرون

إشكال المحقق الهمداني(ره) علی دلالة الروایات الواردة في تنجس المضاف الكثیر، والجواب عنه

قد أشكل المحقق الهمداني (ره) علیٰ دلالة هذه الروایات وقال: إنّها لا تدل علی تنجس المضاف الكثیر بملاقاة النجاسة وقد علم مما سبق ضعف قوله. نعم، یمكن القول بأنّ صحیحة زرارة لا تشمل المضاف الكثیر، ولكن یمكن استفادة تنجس المضاف الكثیر كالقلیل من موثقة أبي بصیرٍ وروایة السكوني، وهاتان الروایتان تكفیان في إثبات المسألة.

ضعف الاستدلال بموثقتي عمار علی عدم الفرق بین كثیر المضاف وقلیله

وكیف ما كان لا شبهة في هذه المسألة. إنّما العجب من عدة استدلالاتٍ أقیمت علی تنجس المضاف من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره. منها الاستدلال بموثقة عمار الساباطي الواردة في تنجس الماء القلیل؛ یقول الامام (علیه السلام): «وإن كان رآها في الإناء قبل أن یغتسل أو یتوضأ أو یغسل ثیابه» والرؤیة هنا كنایةٌ عن العلم «ثمّ یفعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعلیه أن یغسل ثیابه ویغسل كلّ ما اصابه ذلك الماء ویعید الوضوء والصلاة».

وقوله (علیه السلام) «یغسل كلّ ما اصابه ذلك الماء» ـ كما في التنقیح ـ إرشادٌ إلی أنّ هذا الماء القلیل المتنجس ینجّس كلّ شيءٍ بالاصابة من غیر فرقٍ بین شيءٍ وشيء.

یتم هذا الاستدلال بالنسبة إلی غیر السوائل أي الاشیاء القابلة للغسل فكلّ شيءٍ قابلٍ للغسل یجب غسله عند الاصابة ولكن كیف تنجس الاشیاء غیر القابلة للغسل كالسوائل؟ لا نعلم ذلك لأنّ الأمر بالغسل لا یشمل السوائل لأنّها غیر قابلةٍ للغسل ولعل السوائل لا تنجس، كما أنّ الماء الكثیر لا ینجس فلا یتم الاستدلال بهذه الموثقة علی تنجس المضاف.

هناك استدلالٌ آخر بموثقة عمار الساباطي الواردة في باب طهارة ذوات النفس غیر السائلة علی عدم الفرق بین كثیر المضاف وقلیله: «سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنمل وما أشبه ذلك یموت في البئر والسّمن وشبهه، قال: كلّ ما لیس له دمٌ فلا بأس به».

هذا الاستدلال مبنيٌ علی معتقد عمّار بن موسی الساباطي، وهو العلم بالنجاسة في مسألة موت حیوانٍ ذي دمٍ سائل في بئرٍ أو زیتٍ وسمنٍ أو مضافٍ من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره وعدم العلم بالنجاسة في مسألة موت حیوانٍ ذي دمٍ غیر سائل؛ وقد اجاب الامام (علیه السلام) بقوله: «كلّ ما لیس له دمٌ فلا بأس به» وقرّر (علیه السلام) ما كان في معتقد عمارٍ من علمه بالنجاسة في مسألة موت حیوانٍ ذي دمٍ سائلٍ في بئرٍ أو زیتٍ وسمنٍ أو مضاف، من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره، وإلّا لبیّنه الإمام (علیه السلام) بقوله: إنّ الزیت والسمن وشبهه كالمضاف لا تنجس.

هذا وجه الاستدلال وهو عجیبٌ عندنا من وجهین: أولاً: نفرض إنّ معتقد عمارٍ هو تنجس هذه الأشیاء في مسألة موت حیوانٍ ذي دمٍ سائل فیها ولكن هل موته ینجّس علی الاطلاق؟ ولعلّ عمار كان یعتقد بنجاسة السمن والزیت وشبهه إن كان قلیلاً. نحن لا نعلم معتقد عمار؛ لأنّه یسأل عن موت حیوانٍ ذي دمٍ غیر سائلٍ، ولعل معتقده كان تنجس القلیل وتنجس البئر الذي لا یبلغ حد الكر ـ وهو أحد الاقوال في باب ماء البئر ـ بموت حیوانٍ ذي دمٍ سائلٍ فیه ولا طریق لكشف معتقده وهل كان مطلقاً أم مقیداً، وحینئذٍ لا یمكن القول بأنّه كان یعتقد بالتنجس مطلقاً، وبلا فرقٍ بین القلیل والكثیر وكان شاكاً بالتنجس في مسألة موت حیوانٍ ذي دمٍ غیر سائل.

وثانیاً: یحتمل كونه غیر عالمٍ بالتنجس في مسألة موت حیوانٍ ذي دمٍ سائلٍ أیضاً. فهو سأل أولاً عن حكم موت ذوات النفس غیر السائلة الذي كان محل ابتلائه وربّما أجّل السؤال عن حكم موت ذوات النفس السائلة إلی مجلسٍ آخر.

والحاصل أنه لا طریق لاثبات أصل معتقد عمارٍ ولا یمكن أن ینسب له الاعتقاد بالتنجس في مسألة موت حیوانٍ ذي دمٍ سائلٍ، وعلی فرض التسلیم لا طریق لاثبات اعتقاده بالتنجس مطلقاً، ولعله كان یعتقد بتنجس القلیل؛ فلا یمكن الاستدلال بهذه الموثقة علی تنجس الماء المضاف من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره.

والحمد لله ربّ العالمین.