بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الثامن والعشرون
دلیل المرحوم الهمداني علی تنجس المضاف القلیل والكثیر
المرحوم الهمداني ذكر دلیلاً علی تنجس المضاف من دون فرقٍ بین قلیله وكثیره، واعتمد علی وجهٍ من الاستدلال علی تنجس المضاف وإن كان كثیراً. فلنر هل هو محل الاعتماد أم لا؟
[قال في مصباح الفقیه: «إنّما الاشكال فیما لو احتمل مدخلیة بعض هذه الخصوصیات في الحكم، وحینئذٍ نقول ما یحتمل ان یكون له مدخلیةٌ في الحكم من تلك الخصوصیات علی اقسام.»[1][
الاوّل: هو ما إذا ثبت الحكم لموضوعٍ مركبٍ من شیئین أو أشیاء، فیكون موضوع هذا الحكم الواحد أو متعلقه مجموعاً من الشیئین أو الأشیاء. في هذه الصورة إذا تحقق أحد الجزأین دون الآخر فلا یثبت الحكم له لاحتمال أن لا یكون الجزء الفاقد للجزء الآخر موضوعاً للحكم، ولا یمكن التعدي من الخطاب أو الدلیل الدال علی ثبوت الحكم للمجموع المركب إلی اثبات الحكم للجزء المنفرد.[2]
الثاني: هو ما إذا ثبت الحكم لشيءٍ معنونٍ بعنوان. في هذه الصورة أیضاً لا یجوز التعدي منه إلی اثبات الحكم لغیر المعنون بذلك العنوان، كما لو دلّ دلیلٌ علی أنّ الخمر نجسٌ واحتملنا أن یكون للسیلان مدخلیةٌ في نجاسة الخمر؛ لأنّ الخمر من السوائل، وحینئذٍ لا یمكن الحكم بنجاسة المسكر الجامد. نعم، نلتزم بالحرمة التكلیفیة بالنسبة إلی المسكر الجامد.
«لأنّ الله لم یحرم الخمر لاسمها وإنّما حرّمها لخاصیتها وما كان فیه خاصیة الخمر» فتناول المسكر الجامد حرامٌ، ولكن لا یمكن الحكم بنجاسته لما ذكرنا من احتمال مدخلیة سیلان المسكر في الحكم بنجاسة الخمر.
الثالث: هو ما إذا ثبت الحكم لشيءٍ مقیدٍ بأمرٍ وجودي، كما لو حكم الشارع بالضمان في عاریة الذهب والفضة أو مطلق العاریة إذا اشترط الضمان فیه. فلو اشترط المعیر الضمان علی المستعیر صحّ ذلك، ولكن لا یمكن التعدي منه، والحكم بثبوت الضمان فیما لم یشترط الضمان فیه لاحتمال أن تكون للقید الوجودي مدخلیةٌ في الحكم.
الرابع: هو ما إذا ثبت الحكم لشيءٍ مقیدٍ بأمرٍ عدمي، كما لو قال المولی: أكرم العلماء، وعلمنا بشموله لاكرام غیر الشباب من العلماء، ولكن احتملنا مدخلیة هذا الامر العدمي في ثبوت الاكرام.
في هذه الصورة نتعدی ونلغي احتمال مدخلیة الأمر العدمي، ونحكم بالعموم لاصالة عدم المانعیة. فیجب اكرام الشباب من العلماء أیضاً.
قال الهمداني(ره) إنّ مورد الادلة هو تنجس غیر الكر من المضاف بلا ریبٍ، ولكن إذا طرأ الشك في مدخلیة عدم الكثرة في التنجس، نرجع إلی أصالة عدم المانعیة؛ لأنّ الاصل هو عدم مدخلیة عدم الكثرة.[3]
ولتتمیم كلامه(ره) أذكر التعلیل الموجود في عباراته[4] علی ما ببالي منه وهو إذا سأل احدٌ من این تقولون بأنّ الحکم بالنجاسة ثابتٌ للمصاف بالقید العدمي بل النجاسة ثابتةٌ له بالقید الوجودي لا بالقید العدمي، بمعنی أنّ الشارع جعل النجاسة للمضاف المقید بالقلة لا للمضاف المقید بعدم الكثرة، وقد أحسن(ره) الجواب عنه بأنّ القلة لیست أمراً وجودیاً وإنّما هي منتزعةٌ من عدم الكریة وعدم الكثرة، وأنّ مرجع شرطیة هذا الوصف إلی مانعیة الكثرة، كما سیأتي في الماء المطلق وسنقول هناك إنّ مرجع القلة في الماء القلیل إلی عدم كریته. «الماء إذا بلغ قدر كرٍ لا ینجّسه شيء» فالماء القلیل هو ماءٌ لم یبلغ الكر.
قد تبین أنّ تنجس المضاف ثابتٌ مع عدم الكثرة وهو حقیقة القلة، وعند احتمال مدخلیة هذا القید العدمي في موضوع التنجس نرجع إلی أصالة عدم المانعیة.
وبعد بیان هذه المقدمة استدل(ره) بهذا الوجه المعتمد علیه علی تنجس المضاف بملاقاة النجس من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره. والحمد لله ربّ العالمین.
[1] . آغا رضا الهمداني، مصباح الفقیه. (قم، مؤسسة الجعفریة ومؤسسة النشر الاسلامي، ط 1، ت 1416 ق)، ج 1، ص 283 – 287)
[2] . أشار الهمداني (ره) إلی هذا القسم بقوله: «منها ما كان مدخلیته [في الحكم] بطریق الجزئیة كما لو شك… في ان الحكم مخصوص بالخلّ والعسل المجتمعین في الاناء أم یعم كلاً منهما في حال الانفراد». (مصباح الفقیه، ص 283)
[3] . اشار الهمداني (ره) الی هذین القسمین بقوله: «ومنها ما اذا كان المدخلیة فیه بطریق الشرطیة وهذا علی قسمین؛ لان الامر المشكوك شرطیته اما وصف وجودي ككونه مال زید او كونه في مكان خاص أو كونه بمقدار معین من رطلٍ أو منٍّ او غیر ذلك من الاوصاف الوجودیة، وإما امر عدمي ككونه غیر منضم الی غیره او غیر موجود في المكان الفلاني الی غیر ذلك ومرجع الاخیر إلی الشك في المانعیة». (مصباح الفقیه، ص 283 – 284)
[4] . «إذا عرفت ذلك، علمت ان ما نحن فیه من هذا القبیل لان الشك في المقام لیس إلّا في كون كثرة المضاف مانعة من الانفعال وهو مدفوع بالاصل وأما سائر الخصوصیات فعدم مدخلیتها في الحكم یقیني لا شبهة فیه. نعم قد یتوهم كون وصف القلة شرطاً في الانفعال ویدفعه: ان مرجع شرطیة هذا الوصف إلی مانعیة الكثرة، كما لا یخفی وجهه.» (آغا رضا الهمداني، مصباح الفقیه، قم، مؤسسة الجعفریة ومؤسسة النشر الاسلامي، ط 1 ت 1416 ق). ج 1، ص 287 – 288.