بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الثالث والعشرون
دلالة روایة زكریا بن آدم علیٰ نجاسة الشيء بملاقاته للمتنجس
هناك روایاتٌ في أبوابٍ متعددةٍ تدل علی نجاسة الشيء بملاقاته للنجس أو المتنجس. منها روایة زكریا بن آدم:[1] «وعنه عن یعقوب بن یزید» الشیخ (قدس سره) ینقل بإسناده عن كتاب محمد بن أحمد بن یحیی، ولا بأس به، ومحمد بن أحمد بن یحیی ینقل عن یعقوب بن یزید «عن الحسن بن مبارك» ویعقوب بن یزید بن الحمّاد الانباري من الاجلّاء، والحسن بن مبارك صاحب كتاب، وهو معروفٌ، ولكن لم تثبت وثاقته «عن زكریا بن آدم» وهو من الاجلّاء «قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن قطرة خمرٍ أو نبیذٍ مسكرٍ قطرت في قدرٍ فیه لحمٌ كثیرٌ ومرقٌ كثیر، قال: یهراق المرق أو یطعمه أهل الذمة أو الكلب».
وفي الروایة خصوصیةٌ مشیرةٌ إلی أنّ الكفار غیر مكلفین بالفروع، ولا یحرم اكل المتنجس علی الكفار كما یحرم علینا، فیجوز اطعامه الكافر كما یجوز اطعامه الكلب في هذه المسألة. ونحن أیضاً لیس بواسطة هذه الروایة لم نستبعد عدم تکلیف الکفار بالفروع وإنما هم مکلفون بالأصول فقط.
وقوله (علیه السلام): «واللحم اغسله وكله» (في روایة السكوني) یدل علی تنجس اللحم وإلّا لم یجب غسله والروایة لا دلالة لها علی انحصار النجس «بقطرة خمرٍ أو نبیذٍ مسكرٍ» وطهارةٌ اللّحم والمرق، بل یتنجس السائل المضاف وهو المرق ولا یتطهر ویجب اهراقه، ولكن یغسل اللحم لتنجسه ویؤكل بعد التطهیر بالغسل.
هناك روایاتٌ اخریٰ واردةٌ في الأواني ونحوها تدل علیٰ نجاسة الشيء بإصابة النجس أو المتنجس له.
السرّ في ورود اکثر الأخبار في الثوب والبدن والمأكول والمشروب
إنّ أكثر الاخبار الدالة علی التنجس، الواردة بألفاظ الثوب والبدن والامر بالغسل أو اهراق المضاف لا تدل علی انحصار التنجس بسب الملاقاة بهذه الأمور المذكورة: لأنّ هناك روایات ظاهرة في غیر الثوب والبدن أیضاً والسرّ هو عدم وجود أثرٍ ظاهرٍ في تنجس غیر الثوب والبدن وأنّ محل الابتلاء نوعاً هو الثوب والبدن أو المأكول والمشروب، وتعتبر طهارة الثوب والبدن في الصلاة كما تعتبر الطهارة في المأكول والمشروب كي یحلّ الاكل والشرب بعد ذلك، فلا فرق بین الاشیاء ولا خصوصیة لبعضها دون البعض وعموم قوله (علیه السلام): «اغسل كلّ ما أصاب ذلك الماء» یشمل كلّ الاشیاء.
والحاصل أنّ الالتزام والقول بعدم تنجس الاشیاء وطهارتها بإزالة العین موهوم.
كیفیة الاستدلال بالاستصحاب في المقام والاشكال علیه
إنّ العمدة في تنجس الاشیاء هي الروایات. ثمّ إنّ البعض استدل علی تنجس الأشیاء بملاقاتها لعین النجس بالاستصحاب والتنجس الحكمي، وقال: مثلاً لو كان لدینا ثوبٌ اصابه المني فهو نجسٌ لا یجوز الصلاة فیه مادام المني باقیاً علیه، ولو أزلنا المني منه بالمضاف أو غیر المضاف ـ إذ لا فرق بینهما ـ وشككنا في بقاء التنجس الذي حدث حین إصابة المني له وقبل ازالته فنجري استصحاب بقاء التنجس.
واستدل السید الحكیم(ره) في المستمسك بهذا الاستصحاب وكأنّه یقول بنجاسة الاشیاء الملاقیة وعدم حصول الطهارة بزوال العین منها بالغسل بالمضاف أو بشيءٍ أو بعلاجٍ آخرٍ وفقاً لمقتضی الاستصحاب.
وفي جریان الاستصحاب اشكالان: الاشكال الاول هو أنّ هذه الشبهة، شبهةٌ حكمیة، ونحن لا نعتبر الاستصحاب في الشبهة الحكمیة وقد شرحناه بالتفصیل في أصول الفقه. فالاستصحاب لا یصلح أن یكون مستنداً للفتویٰ في الشبهات الحكمیة، بل یجب الرجوع إلی قاعدة أخریٰ؛ لأنّ توفر الادلة الاجتهادیة وهي الروایات، تمنع من الرجوع إلیٰ الأصل العملي، وعند عدم توفر تلك الأدلة الاجتهادیة، یجب الرجوع إلی اصالة الطهارة المستفادة من موثقة: «كلّ شيءٍ نظیفٌ حتی تعلم انّه قذر».
فهذه الموثقة، تحكم بطهارة الشيء الذي لا نعلم نجاسته بعد زوال العین منه
الاشكال الثاني: هو أنه لو سلمنا اعتبار الاستصحاب في الشبهة الحكمیة وصلاحیة كونه مستنداً للفتوی فیها فلا نسلّم جریانه فیما نحن فیه لعدم احراز الحالة السابقة هنا. أما في مسألة بدن الحیوان فالمشهور هو تنجّسه بالإصابة وتطهره بزوال العین، وربما التزم بهذا الرأي بعضٌ كالمحدّث الكاشاني(ره) في سائر الاشیاء وذهب إلیٰ أنّ كلّ شيءٍ في حال وجود العین نجسٌ، ولكن یتطهّر بزوال العین منه ولا یبعد أن یكون هذا الرأي هو ظاهر كلام السیّد المرتضی(ره). فهنا یجري الاستصحاب بناءً علی اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمیة؛ مثلاً هذا الثوب كان نجساً حین وجود المني ولكن طرأ الشك في بقاء النجاسة بعد إزالة المني أو رفعه بالمضاف فیجري الاستصحاب.
لكنّ مذهبنا في مسألة بدن الحیوان هو عدم نجاسته لعدم الدلیل علیه. فبدن الحیوان لا یتنجس حتی یكون زوال العین مطهراً له؛ لأنّ النجس هو العین فقط، وإن كان هناك اطلاقٌ كـ«اغسل كلّ ما اصابه ذلك الماء» فهو منصرفٌ إلی غیر بدن الحیوان قطعاً لأنّ السیرة المستمرة جاریةٌ علی عدم تنجس بدن الحیوان وسیأتي تفصیله. ولكن لا یجري استصحاب التنجس في المقام، لعدم احراز الحالة السابقة لأنّ المني إذا أصاب إناءً مثلاً فالروایة تدلّ علی نجاسة المني، ولكن لا نعلم أنّ الاناء قد تنجس أم لا والحالة السابقة غیر محرزةٍ وحینئذٍ یجب الرجوع إلی قاعدة «كلّ شيءٍ طاهر» أو «كلّ شيء طاهرٌ حتی تعلم انه قذر» إن لم تكن هناك أدلةٌ روائیة.
والعجب من المحدث الكاشاني(ره) لتمسّكه بموثقة «كلّ شيءٍ نظیفٌ حتی تعلم أنّه قذر» بعدم نجاسته الأشیاء، مع وجود هذه الاخبار التي أشرنا إلیها وقلنا إنّ مفاد الموثقة هو الاصل العملي وقاعدة الطهارة وهي تجري عند الشك، ولا مجال لطروء الشك فیما نحن فیه؛ لأنّ الادلة الاجتهادیة قائمةٌ علی أنّ جمیع الاشیاء تتنجس إلّا ما خرج بالدلیل كبدن الحیوان والبواطن، وتطهر الأشیاء (غیر بدن الحیوان والبواطن) بالغسل بالماء المطلق، ولا تتطهر بغیر الماء المطلق كالمضاف وغیره. والحمد لله ربّ العالمین.
[1] . الشیخ حر العاملي، وسائل الشیعة، (قم، موسسة آل البیت (عليهم السلام)، ط 1، ت 1409 ق)، ج 3، ص 470.