دراسة الرِّوایة الموثَّقة (ج 20)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث العشرون

اشكال التمسك بمعتبرة غیاث بن كلوب (اسحاق بن عمار الساباطي) وموثقة غیاث بن ابراهیم

أقام بعضٌ دلیلاً آخر علی مطهریة المضاف متمسكاً بموثقتین في هذا الباب وهما روایتان یستفاد منهما جواز تطهیر الدم بالبزاق. الروایة الأولیٰ هي موثقة غیاث بن كلوب:

«محمد بن الحسن» شیخ الطائفة «بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب» ینقله الشیخ عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، واسناده عن كتاب محمد بن علي بن محبوب صحیحٌ، وجلالة محمد بن علي بن محبوبٍ ظاهرةٌ وله روایاتٌ عن الحسن بن محبوب، وهما من الاجلاء «عن العباس» وهو عباس بن معروف، الذي یروي عن عبدالله بن المغیرة، وهو یروي عن غیاث بن كلوب. وغیاث بن كلوب ثقةٌ، والروایة موثقة «عن أبي عبدالله عن أبیه (علیهما السلام) قال: «لا یغسل بالبزاق شيءٌ غیر الدم» والمراد بالدم هو الدم في فضاء الفم، فلا یغسل بالبزاق غیر الدم من البول والمني وغیرهما، بل یغسل بالبزاق الدم فقط.

(جعفر التبریزي: الظاهر غیاث بن کلوب لا ینقل روایة بدون واسطه عن الامام (علیه السلام) بل الصحیح غیاث بن کلوب عن اسحاق بن عمار الساباطي عن أبي عبدالله (علیه السلام)).

الروایة الثانیة هي موثقةٌ غیاث بن ابراهیم: «وبإسناده عن سعد» بن عبدالله «عن موسی بن الحسن» الخشّاب، وهو من الاجلاء «عن معاویة بن حكیم» وهو من الاجلاء «عن عبدالله بن المغیرة عن غیاث بن ابراهیم عن أبي عبدالله (علیه السلام): لا بأس أن یغسل الدم بالبصاق» وكانّ قوله (علیه السلام) «لا بأس» ظاهر في حصول الطهارة.

لا شكّ بأنّ مضمون هذه الروایة لیس هو تطهیر كلّ نجسٍ بالماء المضاف، بل مضمونها ـ إن كان لها مضمونٌ ـ هو تطهیر الدم بالبصاق لا غیر الدم، فلا یجوز تطهیر غیر الدم بالمضاف. ولم یلتزم احدٌ بتطهیر كلّ نجسٍ بالماء المضاف حتی المفید والسید المرتضیٰ (رحمهما الله).

والمراد من قوله (علیه السلام): «لا یغسل بالبصاق إلّا الدم» هو الدم الخارج من بین الأسنان في فضاء الفم كما لا یخفیٰ ویتطهر بتكرار المضمضة والحركة وافراغه لیزول التغیر؛ لأنّ الفم من البواطن وهو طاهرٌ، والغسل بالبصاق لا یكون تطهیراً في الحقیقة، بل هو ازالة العین فیجب افراغ النجاسة من الفم لحرمة ابتلاع الدم، وتحصل الطهارة بزوال التغیر. فإن حرك ماء الفم وفرّغ مرةً واحدةً وزال التغیر بها ـ كما لو كان الدم دماً قلیلاً ـ حصلت الطهارة.

وهذا هو المستفاد من مناسبة الحكم والموضوع في قوله (علیه السلام) «لا یغسل» وذكر الغسل یكون لتقریب الاذهان ولیس هو غسلاً في الحقیقة، بل هو ازالة العین، والحلق من البواطن، والبواطن لا تتنجس ـ فالروایة تدلّ علی هذا الأمر الذي یناسب الحكم والموضوع، ویتبادر إلی الذهن وهو المتعارف بین الناس؛ لأنّ الناس یحركون البصاق في الفم ویفرغونه عدة مراتٍ حتی یزول التغیر.

فالتطهیر بهذا المعنی هو افراغ عین النجاسة من فضاء الفم لحرمة ابتلاع الدم، والموثقتان تدلان علی هذا المدلول، ولا یستفاد غیره منهما.

تمسك بعضٌ ـ ولعلّ منهم المفید أو السید المرتضی(رحمهما الله) ـ بإطلاق قوله تعالی: (و ثيابك فطهّر)[1] فقالوا إنّ التطهیر هو إزالة العین، سواءٌ كانت بالماء المطلق أو الماء المضاف. فلو كان الامر كذلك فالسؤال یتّجه نحو معنی التطهیر، وأنّ التطهیر هل هو بمعنی ازالة العین؟ من یقول، بأنّ التطهیر هو ازالة العین؟ هذا أول الكلام وبناؤنا هو بقاء نجاسة الشيء المتنجس والتطهیر لا ینحصر بإزالة العین.

هذا مضافاً إلی عدم العلم بأنّ التطهیر في الآیة الشریفة هو التطهیر من الخبث، وربما یكون بمعنی تشمیر الثوب بقرینة بعض الروایات المفسّرة للآیة؛ لأنّ إسبال الثوب هو من المخیلة وإشعار بالكبر.

فلا یمكن الاستدلال بهذه الآیة الشریفة؛ لأنّ انحصار التطهیر بازالة العین هو أول الكلام من جهة، وعدم العلم بأنّ المراد من التطهیر في الآیة هل هو تشمیر الثوب أو التطهیر من الخبث من جهةٍ أخری؟

تبقی هنا روایةٌ تستفاد منها إزالة العین بكلّ شيءٍ ولو كان ماءً مضافاً، والروایة هي صحیحةٌ حكم بن حكیم بن أبي خلّاد «انه سأل أبا عبدالله (علیه السلام): فقال له: أبول فلا أصیب الماء وقد أصاب یدي شيء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ثمّ تعرق یدي فأمسح به وجهي أو بعض جسدي أو یصیب ثوبي: قال الامام (علیه السلام): لا بأس» كأنّ الروایة تدل علی طهارة الید المتنجسة بعد مسحها بالتراب أو بالحائط وازالة العین منها. فهل یمكن استفادة هذا الحكم من الروایة أم لا؟

نقول: هل المراد هو العلم تفصیلاً بإصابة الجزء المتنجس من الید للبدن أو للثوب أم العلم اجمالاً بإصابة جزءٍ من الید المتنجسة للبدن أو للثوب؟

والحمد لله ربّ العالمین.


[1] . سورة المدثّر (74) آیة 4.