بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الثامن عشر
روایة برید بن معاویة[1]
«محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید» الأهوازي «عن القاسم بن محمد» ولم تثبت وثاقته بتوثیقٍ خاص، والظاهر أنّه لا بأس به، ویعتمد علیه، والحسین بن سعیدٍ وغیره نقلوا روایاتٍ كثیرةٍ عنه، ولم یصل ضعفه إلینا، وهو لیس كسهل بن زیادٍ الآدمي، الذي نقل عنه روایاتٌ كثیرةٌ مع تضعیفه. فلم یضعّف قاسم بن محمدٍ وهو في اسناد كامل الزیارات، لكن هو معتبرٌ لا من جهة أسناد كامل الزیارات، بل من جهة كثرة الروایات التي روی امثال الحسین بن سعیدٍ وغیره عن قاسم بن محمد. فكثرة الروایات المنقولة عنه وعدم وصول تضعیفٍ له كافیان في اعتباره، عن ابان بن عثمانٍ عن برید بن معاویة، وابان بن عثمان، وبرید بن معاویة هما من الاجلاء. وبرید بفتح الباء أو بضمه، هو من أصحاب الأمام الباقر والصادق (علیهما السلام)؛ «عن أبي جعفر (علیه السلام) انه قال: یجزي من الغائط المسح بالاحجار، ولا یجزي من البول إلّا الماء» لم یقل الامام (علیه السلام): «إلّا الماء واللبن» وظاهر الحصر هو الحصر الحقیقي بالماء، ولو جازت الطهارة بغیر الماء لذكره الامام بقوله: «من الماء أو بشيءٍ من اللبن ونحوه» واللبن هنا بمعنی المخیض.
وللحصر مفهومٌ خاصٌ به. الحصر هو الاستثناء في الجملة النافیة. «ولا یجزي من البول ألّا الماء» هذا حصرٌ أي لا یجزي غیر الماء، والماء منصرفٌ إلی الماء المطلق. وربما یدّعي احدٌ بأنّ هذا الحصر، إضافي أي لا یجزي الحجر من البول. «لا یجزي من البول ألّا الماء» أي یجزي من الغائط الحجر والماء ولا یجزي من البول الحجر. فالحصر هنا اضافيٌ باعتبار الاحجار.
لكنّ هذا خلاف الظاهر لأنّ الظاهر هو جواز التطهیر من الغائط بالاحجار والاجسام القالعة وبالماء، ولا یطهّر المخرج بالسوائل المضافة، فالحصر هنا حصرٌ حقیقي لا إضافي، ویدل علی أنّ غیر الماء لیس مطهراً من الخبث.
هناك روایاتٌ أخری یجدها المتتبع في هذا المقام، وسیأتي ذكرها في بحث المطهرات إن شاء الله تعالی والتي تدل علی أنّ الماء مطهّرٌ فقط.
صحیحة داود بن فرقد
ربما یستدل علی «مطهریة الماء وأنّ غیر الماء لا یكون مطهراً من الخبث» بصحیحة داود بن فرقد[2] التي ذكرناها سابقاً، وهي قوله (علیه السلام): «كان بنو اسرائیل إذا أصاب أحدهم قطرة بولٍ قرّضوا لحومهم، وقد وسّع الله علیكم بأوسع ما بین السماء والارض وجعل لكم الماء طهوراً».
وجه الاستدلال هو بیان التفضل والامتنان علی أمة محمدٍ (صلی الله علیه وآله) من الله تعالی ولو كان غیر الماء طهوراً لبیّنه الامام (علیه السلام) لأن الماء لم یكن مطهراً لنبي اسرائیل، وكان علیهم التقریض، والمراد من اصابة البول هو اصابته من الخارج لا من مخرج البول، والتقریض كان فرضاً عسیراً كلّفهم الله به للامتحان.
ولو كان غیر الماء طهوراً، لذكره الامام (علیه السلام) بقوله: «وقد جعل لكم الماء وغیر الماء من اللبن ونحوه طهوراً» فعدم ذكر غیر الماء یدل علی انحصار المطهریة بالماء.
لكن في هذا الاستدلال نظرٌ ونقاش؛ لأنّ الروایة واردةٌ في باب تطهیر البدن من البول ویحتمل أن تكون المطهریة منحصرةٌ بالماء في تطهیر البدن من البول ولا یكون غیر الماء مطهراً منه. أمّا إذا تنجس البدن بغیر البول أو تنجس سائر الأشیاء غیر البدن بالبول احتمل أن یتمّ التطهیر بالماء وغیر الماء، وهذه الروایة واردةٌ في تطهیر البدن من البول، وأنّ مطهّر البدن من البول منحصرٌ بالماء، ولا یشمل غیر الماء، وإلّا لذكره الأمام (علیه السلام) اما في غیر البول فانحصار المطهریة بالماء غیر معلوم؛ لاحتمال الالتزام بأنّ الروایة لا دلالة لها علی المطلوب لأنّ الامر في البول شدیدٌ، وقد جعل الله الماء له مطهّراً، ولعلّ الشارع سهّل الأمر في سائر المتنجسات، فلا دلالة للروایة علی عدم جواز التطهیر بغیر الماء. لكن من حیث المجموع یستفاد من روایات واردةٍ في أبوابٍ متفرقةٍ ـ التي ذكرنا جزءاً منها ـ أنّ غیر الماء لا یكون مطهراً من الخبث.
اشكال التمسك بـ«الطهور إنما هو الماء والتراب» في المقام
وأضعف من التمسك بهذه الصحیحة هو التمسك بالصحیحة المذكورة سابقاً أي قوله (علیه السلام): «وإنما هو الماء والتراب»[3]. فلو كان غیر الماء طهوراً لما انحصر في الماء والتراب، بل كان علیه (علیه السلام) أن یقول: «انما هو الماء والتراب واللبن ونحو اللبن» فحصر الطهور بالماء والتراب في المقام، دلیلٌ علی أنّ غیر الماء وهو سائر المیاه المضافة لا یكون مطهّراً.
ربما یقول أحدٌ بأنّ الحصر هنا راجعٌ إلی الطهارة من الحدث لأنّ المذكور في الروایة هو الماء والتراب معاً فتدلّ الروایة علی انّ الطهور من الحدث منحصرٌ بالماء والتراب، والكلام في المطهریة من الخبث ولعلّ الطهور من الخبث یكون عاماً ویشمل غیر الماء أیضاً.
وعلی كلّ حال، هذه الروایات التي ذكرناها تكفي في اثبات المدعیٰ وهو أنّ الماء فقط مطهّرٌ من الخبث والحدث ویجب التیمم عند فقده. نعم، لو وجدت روایاتٌ مقیّدةٌ لاطلاق طهوریة الماء ودلت علی أنّ غیر الماء مطهرٌ من الخبث لسلّمنا وقلنا بأنّ غیر الماء مطهرٌ من الخبث.
[1] . الشیخ حر العاملي، وسائل الشیعة. (قم، موسسة آل البیت (علیهم السلام)، ط 1، ت 1409 ق)، ج 1، ص 348.
[2] . وباسناده…
[3]. ما جاء في كلام المرحوم المیرزا التبریزی (قدس سره) هو مضمون هذه الروایه وشبهها. «محمد بن علی بن الحسین باسناده عن محمد بن حمران وعن جمیل بن دراج جمیعاً في حدیث عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» الشیخ حر العاملي، وسائل الشیعة (قم، موسسة آل البیت (علیهم السلام)، ط 1 چ 1، ت 1409 ق)، ج 3، ص 386.