بسم الله الرحمن الرحيم
البحث (94)
عدم تعرض صحيحة محمد بن مسلمٍ لاعتصام الجاري
لا وجه لهذا الاستدلال كاستداله السابق لأنّ الامام (علیه السلام) حكم في هذه الرواية بكفاية غسل الثوب في الجاري مرةً واحدة: «فإن غسلته في ماءٍ جارٍ فمرةً واحدة» سواءٌ كان قليلاً أو كثيراً. فهو (علیه السلام) في مقام بيان تطهير الثوب، وليس في مقام بيان انفعال الماء وعدمه، وليس واجباً على الامام (علیه السلام) أن يبينه في هذه الرواية، والشاهد القطعي على ذلك هو قول الامام (علیه السلام) في صدر الرواية: «إغسله في المركن مرتين» لأنّ الغسالة الناتجة عن الغسل الأول في المركن نجسةٌ قطعاً، لكن لم يبينه الامام (علیه السلام)، فيظهر منه أنّ الامام (علیه السلام) في مقام بيان كيفية غسل الثوب، حيث يطهر الثوب في المركن بغسله مرتين، وفي الجاري بغسله مرةً واحدة، وأما هل تجب طهارة الماء الذي يغسل به، وهل ينفعل ماء المركن بالثوب في المرة الاولىٰ أو لابدّ من صبّ الماء على الثوب في المركن؟ فإنّ الامام (علیه السلام) ليس في مقام بيان حكم الماء بعد الغسل، بل هو في مقام بيان شرائط الماء، وبتعبيرٍ آخر أنّ الرواية صادرةٌ في مقام بيان حكم الغسل المطهّر، لا في مقام بيان حكم الماء بعد الغسل أو ما يجب القيام به قبل الغسل الثاني؛ لأنّ الامام (علیه السلام) بيّن هذه الموارد في رواياتٍ اخرىٰ. والحاصل انه لا دلالة لهذه الرواية على ما أفاده(ره).
الاستدلال بروايات ماء الحمام على اعتصام الجاري
بقي في المقام وجهان: الاول هو رواياتٌ واردةٌ في باب ماء الحمام، حيث ٱستفيد منها اعتصام الماء الجاري، بلا فرقٍ بين قليله وكثيره[1]؛ ففي صحيحة داود بن سرحان: «محمد بن الحسن باسناده عن أحمد بن محمد يعني ابن عيسى، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن داود بن سرحان» وكلّهم أجلاء في السند «قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الماء الجاري».
وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب ماء الحمام، أنّ المراد من ماء الحمام هو الماء الموجود في الحياض الصغار، وهو ماءٌ قليلٌ نوعاً، ويخرج من الخزانة التي هي مادة الحمام، وكان يزود كلّ حوض في زمانه بخشبٍ أو صمّامٍ قابلٍ للغلق والفتح كي يسمح بالتحكم في إخراج الماء من الخزانة.
إنّ الامام (علیه السلام) حكم بعدم انفعال الماء الموجود في الحياض الصّغار؛ لأنّ ماء الحمام بمنزلة الماء الجاري، فكما أنّ الماء الجاري لا ينفعل كذلك لا ينفعل ماء الحمام. وهذا الماء الموجود في الحياض الصغار ماءٌ قليلٌ لكنه محكومٌ بحكم الماء الجاري؛ لاتصاله بالخزانة، كما أنّ للماء الجاري مادةً لا ينفعل بسببها وإن كان قليلاً، فماء الحياض الصغار بمنزلة الماء الجاري مع قلته كما هو الغالب؛ لانه متصلٌ بالمادة وهي الخزانة فلا ينفعل بالملاقاة. فهذه الرواية تدلّ على وجود خصوصيةٍ في الماء الجاري حيث «لا ينفعل بلا فرقٍ بين قليله وكثيره» لكي يصح تنزیل ماء الحمام منزلة الماء الجاري: «هو بمنزلة الماء الجاري» مع أنّ الغالب هو قلة ماء الحياض الصغار.
وهل يتمّ هذا الوجه أو لا؟ سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالىٰ.
الاستدلال بصحيحة داود بن سرحان على اعتصام الجاري والجواب عنه
الكلام في الاستدلال على اعتصام الماء الجاري بلا فرقٍ بين قلته وكثرته، حيث ٱستدل عليه بصحيحة داود بن سرحان الواردة في ماء الحمام، لأنّ الامام (علیه السلام) قال فيها: «هو بمنزلة الماء الجاري» ومقتضى تنزيل ماء الحمام منزلة الماء الجاري في كلام الامام (علیه السلام) واطلاق التنزيل وعدم تقييده بالماء الجاري الكر، هو دلالة الرواية على اعتصام الماء الجاري سواءٌ كان كراً أو لم يكن.
لكن لا يتمّ هذا الاستدلال لأنّ هذه الرواية المباركة صادرةٌ في مقام بيان حكم ماء الحمام؛ لأنّ السائل سأل عن ماء الحمام: «قلت: ما تقول في ماء الحمام» والامام (علیه السلام) أجاب عن حكم ماء الحمام، وسنذكر إن شاء الله تعالىٰ أنّ الماء الموجود في الحياض الصغار في نفسه قليلٌ في غالب الاحيان أو كثيرٍ من الاحيان، ولكنه يتصل بالخزانة بعد فتح الصمام أو رفع الخشب عن منفذ الماء، والخزانة تبلغ اكراراً.
إنّ المفروض في ماء الحياض الصغار هو اتصاله بماء المخزن الذي يبلغ اكراراً فيعتصم باتصاله به، والامام (علیه السلام) قد قرّب هذا المعنى إلى ذهن السائل بهذا الاسلوب في الرواية، وحكم باعتصام ماء الحياض الصغار لاتصاله بماء الخزانة، كما أنّ الماء الجاري في سوافل المياه الجارية وحولها يتقوّم ويعتصم باتصاله بها؛ ولذلك قال الامام (علیه السلام) في روايةٍ اخرىٰ[2]: «ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة» والمادة هي خزانة الحمام ومعنى قوله (علیه السلام): «إذا كانت له مادة» هو اتصال ماء الحياض الصغار بماء الخزانة فيعتصم بالاتصال لا محالة. والحمد لله ربّ العالمين.
[1]. ان صحيحة داود بن سرحان هي الدليل الاول للمشهور على اعتصام الماء الجاري في جملة من الأدلة التي أوردها المحقق لهمداني(ره).
[2]. نقل الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد وقد نقل هذا الخبر بهذا النص في الكافي عن طريق آخر وأما نص الرواية على ما نقل الشيخ في التهذيب فكما يلي: ….