بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (76)
مسألة 13: «لو تغیر طرفٌ من الحوض مثلاً تنجّس، فإن کان الباقي أقلّ من الکر تنجّس الجمیع، وإن کان بقدر الکر بقي علی الطهارة، وإذا زال تغیّر ذلك البعض طهر الجمیع ولو لم یحصل الامتزاج علی الاقوی».
حکم تغیر طرفٍ من الحوض
قال صاحب العروة في المسألة 13 إنّ تغیر طرفٍ من الحوض في أحد أوصافه الثلاثة موجبٌ للحکم بتنجّسه فإن کان الباقي أقلّ من الکر تنجس الجمیع، أي جمیع ماء الحوض الشامل للمتغیر وغیر المتغیر.
أما تنجّس المتغیر منه فبالأدلة المتقدمة الدالة علی تنجس الماء المتغیر، وأمّا تنجس الباقي الذي ینقص عن مقدار الکر فلأنه ماءٌ قلیلٌ لاقی النجس، وسیأتي في باب الماء القلیل أنّ الماء ینفعل بملاقاة النجس إذا کان أقلّ من الکر وإن لاقی الماء المتنجس.
وإن کان غیر المتغیر بقدر الکر بقي علی الطهارة لأنه جاء في الحدیث: «الماء إذا بلغ قدر کرٍ لا ینجّسه شيء» فیدخل غیر المتغیر الذي هو بمقدار الکر تحت هذا النص. وإذا زال تغیر ذلك البعض المتغیر طهر جمیع ماء الحوض؛ لأنّ ما کان في الحوض بقدر الکر کان طاهراً، والمتنجّس بالتغیر زال تغیره واتّصلّ بالکر الطاهر قال: «ولو لم یحصل الامتزاج علی الاقویٰ». إي طهر الجمیع وإن لم یمتزج هذا المتغیر بعد زوال تغیره بالکر الطاهر. فالامتزاج لیس شرطاً في الطهارة علی الأقویٰ.
والتعبیر بصیغة أفعل التفضیل في مقام الفتوی یرمز إلى أنّ المسألة خلافیة، فهناك قولٌ لا یحکم بطهارة الجمیع إلّا بالامتزاج.
عدم اشتراط امتزاج الماء النجس بالماء الطاهر في الحکم بالطهارة
إنّ ما نقصد الاشارة إلیه في المقام بالاجمال هو الحکم بالطهارة وإن لم یحصل الامتزاج.
التزم جماعةٌ بأنّ الماء المتنجس لا یطهر إلا إذا اختلط بالماء المعتصم؛ لأنّ مقتضی الادلة أو مقتضی الاستصحاب في الماءین ـ کما سیأتي بیانه ـ عند عدم الاختلاط هو بقاء النجس السابق علی نجاسته وبقاء الطاهر السابق علی طهارته.
واستدل علی الطهارة من دون مزجٍ بالاجماع القائم علی أنّ الماء الواحد الذي لا میز له أي لیس بعضه متغیراً، لا یحکم علیه بحکمین متضادین وفیه: أولاً: أنّ الاجماع لم یثبت لنا[1] وإن ذکر في بعض الکلمات. ثانیاً: فقد کان بعض الماء متغیراً سابقاً وبعضه طاهراً معتصماً واقعیاً، وهذا القدر من التمیّز في الماءین کافٍّ في أن یتعبد الشارع بنجاسة النجس منهما وبطهارة الطاهر منهما، ودعوی الاجماع علی أنّ الماء الواحد لا یحکم علیه إلّا بحکمٍ واحدٍ لم تثبت لنا بدلیلٍ وإن ذکر في بعض الکلمات.
وعلی أیة حالٍ لم یثبت لنا أصل الاجماع بدلیل؛ لأنّ المسألة خلافیةٌ وإن قیل: إنّ الاجماع ثابتٌ علی هذا الحکم الکلي، إي إنّ هذه الکبری الکلیة وهي اتحاد حکم الماء الواحد، مجمعٌ علیها، قلنا: هذا الاجماع علی تقدیر ثبوته، إما اجماعٌ مدرکي إي نحرز أنّ القائلین بعدم اختلاف الحکم استندوا إلى مدركٍ علی مذهبهم أو یکون هذا الاجماع من قبیل محتمل المدرکیة، وقد ذکرنا في الفقه مراراً وکراراً أنّ لإجماع الأصحاب وتسالمهم علی حکمٍ شأناً یقتضي أن نعدّه مدرکاً للحکم إن لم ینکشف وجه التسالم لنا.
فإذا لم نعثر علی دلالةٍ في الکتاب ولا في روایةٍ ولم نجد روایةً یظن بأنّهم اعتمدوا علیها ولم یحکم العقل بذلك الحکم المتسالم علیه استکشفنا أنّ المجمعین الشیعة المتسالمین علی الحکم استندوا إلى مدركٍ لم یصل إلینا ولا ضیر في ذلك.
أما إذا علمنا أو احتملنا ـ إذ لا یعتبر العلم ولا الاطمئنان ـ أنّ المجمعین أو المفتین استندوا إلى مدركٍ موجودٍ لدینا ولاحظناه، فإن کان تاماً أخذنا به وأتبعناهم فیه، وإن لم یکن تاماً خالفناهم فیه، کما هو الحال في مسألة نجاسة ماء البئر ـ وسیأتي تفصیله في محله ـ حیث إنّ القدماء کانوا قائلین بنجاسة ماء البئر عند وقوع النجاسة فیه وتطهیره بالنزح کما هو المشهور عندهم، ولکنّ الأمر محرزٌ لنا بالعلم والاطمئنان، إذ إنّهم استندوا إلى روایةٍ علی نجاسة ماء البئر لم تتمّ دلالتها عند المتأخرین ولذلك خالفوهم والتزموا بعدم انفعال ماء البئر في صورة عدم التغیر.
والأمر كذلك في المقام[2] إذ لا یتمّ قیام الاجماع علی أنّ الماء الواحد لا یختلف في الحکم. والحمد لله رب العالمین.
[1]– وممن ادعی الاجماع في هذه المسألة، المرحوم الکاظم الشیرازي حیث قال علی العروة والذي قرره المرحوم کاشف الغطاء.
[2]– الاجماع المدرکي هو اجماع الفقهاء علی حکم مسألة مع احراز مدرك اجماعهم علی تلك المسألة من دون فرق بین کون المدرك من قبیل الادلة الاجتهادیة أو الاصول العملیة فالمناط في مدرکیة الاجماع هو احراز ما هو منشأ اتفاقهم في الفتوی.
وثمة اجماع یعبر عنه بالاجماع المحتمل للمدرکیة وهو ما کان لحکم المسألة المجمع علیها مدرك تام أو غیر تام یحتمل اعتماد المجمعین علیه.