بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (80)
مسألة 14: «إذا وقع النّجس في الماء فلم يتغيّر ثمّ تغيّر بعد مدّةٍ فإن علم ٱستناده إلى ذلك النجس تنجّس، وإلّا فلا».
حكم تغيّر الماء عند الشّك في ٱستناده إلى النجس
الظاهر أنّ صاحب العروة(ره) ـ والله العالم ـ ليس مراده في هٰذه المسألة، وقوع النجس ومكوثه في الماء ثمّ تغيّر الماء بعد مدّةٍ من الزّمن؛ كما لو ألقيت ميتةٌ في الماء وتغيّرت أوصاف الماء بها بعد مضي فترةٍ من الزّمن؛ لأنّ هناك نصوصاً واردةً في هذا الفرض، نحو قول الامام (علیه السلام): «فلا تتوضّأ ولا تشرب» حيث ورد في فرض إلقاء الجيفة في الماء وتغيّر الماء بها، ومن المعلوم أنّ الميتة لا تغيّر الماء فور وقوعها فيه بل تمكث في الماء وتتعفّن وتغيّر الماء وتنتنه بمرور الزّمن، فلم يكن مراد السيد(ره) التعرّض لهذا الفرض في هذه المسألة لأنّه القدر المتيقّن من النصوص فمراد صاحب العروة لا يخلو من أحد الفرضين:
الفرض الأوّل هو أن يقع النجس في الماء ولم يغيّر الماء، بل يستهلك في الماء ثمّ يحدث التّغيّر فيه كما لو صبّ دمٌ أو بولٌ في الماء ولم يتغيّر الماء به، بل ٱستهلك في الماء ثمّ حدث التّغيّر فيه. فكأنّ السّيد يفيدنا هنا بأنّ الماء محكومٌ بالنجاسة إذا علم ٱستناد التّغيّر إلى البول المستهلك أو الدّم المستهلك وإلّا يحكم عليه بالطهارة ٱستناداً إلى قاعدة الطهارة.
الفرض الثاني هو وقوع الجيفة في الماء وإخراجها من الماء من دون أن يحدث تغيّرٌ في الماء فوراً، بل يحدث التغيّر في الريح أو الطّعم بعد مدّةٍ ففي هذا الفرض إن علم ٱستناد تغيّر الماء إلى تلك الميتة تنجّس، وإلّا فلا يحكم عليه بالنجاسة، بل هو محكومٌ بالطهارة وفقاً لقاعدة الطهارة.
وينبغي لأي فقيهٍ أن يتعرّض لهذين الفرضين؛ لأنّ في الحكم بالنجاسة في هٰذين الفرضين خفاء، ووجه الخفاء في الفرض الأوّل بناءً على الالتزام بأنّ مرجع الاستهلاك إلى ٱنعدام الموضوع كالاستحالة ـ كما هو قول البعض ـ واضح.
فالدّم المصبوب في الماء قد ٱنعدم موضوعه لاستهلاكه في الماء قبل تغيّر الماء ثمّ تغيّر الماء بالدّم المنعدم المستهلك قبل التغيّر فلا يوجد دمٌ حتى يغيّر الماء ويوجب الحكم بالنجاسة، ووجه الخفاء في الفرض الثاني هو تغيّر الماء بعد إخراج الميتة منه فلا توجد ميتةٌ حين التغيّر حتى يقال بأنّ تغيّر الماء موجبٌ لتنجّسه.
تنجّس الماء عند الشّك في ٱستناد التغيّر إلى النجس
ففي هذين الفرضين خفاءٌ في الحكم، ولكنّ الظاهر هو تعيّن الحكم بالنجاسة في كليهما ولا فرق بين ما إذا لم تستهلك عين النجس وتغيّر الماء بها أو تغيّر الماء بعد ٱستهلاكها. فالماء محكومٌ بالنجاسة في كلتا الصّورتين. لماذا؟
أما في فرض الاستهلاك فقد ذكرنا أنّ الاستهلاك ليس ٱنعدام الموضوع ويفترق عن الاستحالة. فالشيء النجس أو المتنجس موجودٌ في الماء في موارد الاستهلاك إلّا أنّ هناك تبعيةٌ حكميةٌ والمناط هو الحكم بالغالب.
فالشارع يحكم بجواز الشرب والتوضّؤ منه ما لم يحدث التغيّر فيه، وهذا حكمٌ تبعي ينتفي بزوال التّغيّر. هذا أولاً.
وثانياً: لابدّ من الحكم بالنجاسة وإن فرضنا ٱستهلاك الدّم والتزمنا بأنّ مرجع الاستهلاك إلى ٱنعدام الموضوع عرّفاً؛ لأنّ بعض النصوص كصحيحة أبي بصير التي مرّ ذكرها يشمل صورة الاستهلاك وتغيّر الماء بالنجس المستهلك، حيث قال الامام (علیه السلام) في تلك الصحيحة: «إن تغيّر الماء فلا تتوضّأ منه، وإن لم تغيّره أبوالها فتوضّأ منه وكذلك الدّم إذا سال في الماء وأشباهه».
فقوله (علیه السلام): «إن تغيّر الماء فلا تتوضّأ منه» إي من الماء النقيع الذي «تبول فيه الدّواب وكذلك الدّم إذا سال في الماء» مطلقٌ واطلاقه يشمل ما إذا سال الدم في الماء ولم يغيّر الماء، ثمّ ٱستهلك وغيّر الماء بعد السّيلان والاستهلاك.
وفي سند هذه الصحيحة، ياسين الضرير، ولكنه لا يضرّ بها؛ إذ للشيخ(ره) سندٌ آخر في نقل أحاديث حريز بن عبدالله، وعلى هذا تشمل الصحيحة الصورة المذكورة، فإن التزم أحدٌ في الفرض الأول بأنّ الاستهلاك ليس انعداماً للموضوع ٱستكشف منه أنّ الدم موجودٌ سائلٌ في الماء وعلم أنّ التغيّر مستندٌ إليه وإن التزم بأنّ مرجع الاستهلاك إلى انعدام الموضوع شمله إطلاق الرواية، فالماء محكومٌ بالنجاسة فإذا سال الدم في الماء وٱستهلك ثمّ تغيّر الماء تنجّس.
واما في الفرض الثاني وهو ما إذا ألقيت الجيفة في الماء ولم تغيّر الماء، ولكنّ الماء تغيّر بعد إخراجها منه، فالاستناد محرزٌ فيه؛ إذ لولا وقوع الجيفة لما أنتن الماء، فعلم أنّ الماء ٱكتسب رائحة الميتة، وعلى هذا يحكم بنجاسة الماء في هذا الفرض أيضاً. والحمد لله رب العالمین.