حکم المائع المشکوك (ج 39)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث التاسع والثلاثون

زبدة الکلام في المائع المشکوك اطلاقه واضافته

فتحصل مما ذکرنا انه تلاحظ الحالة السابقة عند الشك في اطلاق مائعٍ واضافته کي یجري الاستصحاب الموضوعي وهو استصحاب الحالة‌ السابقة للعنوان أو الحکمي فیه؛ ولذلك لو طرأ الشك في مائیة ماءٍ من دون الحالة السابقة له یجري استصحابٌ آخر، وهو بقاء الحدث ان توضأ أو غسل به إذ لم یوجد غسلٌ بالماء قبل الغسل بهذا الماء، وعند الشك في وجود الغسل بهذا الماء وعدم وجوده یجري استصحاب عدم وجود الغسل بهذا الماء.

فلو نوقش في جریان هذا الاستصحاب وقیل بعدم جریانه لاحتمال کون هذا المائع ماءً وکون الشبهة هنا مفهومیةً لجری استصحاب عدم جعل الطهوریة لهذا المائع من دون تعارضه بأصلٍ آخر وان أغمضنا وقلنا بعدم جریان استصحاب عدم وجود الغسل بهذا الماء؛ کما لو شك في أنّ الشارع هل جعل المطهریة لهذا السیل أم لا؟ فهذا الحکم جعليٌ وقد سبق عدم جعله في زمانٍ من الازمنة وحینئذٍ یستصحب العدم الازلي عند الشك في بقاء عدم الجعل ویترتب عدم جعل المطهریة لهذا السیل والتراب من دون تعارض، فالمرجع هنا هو استصحاب عدم جعل الطهوریة والمطهریة لهذا السیل الذي هو غیر مطهرٍ ومشکوكٌ مائیته بالشبهة المفهومیة. نعم، لو لم تکن الشبهة مفهومیةً لجری الاستصحاب في موضوع الحدث ولکنّ الشبهة هنا مفهومیةٌ، ومقتضی جریان استصحاب عدم جعل المطهریة‌ لهذا المائع هو عدم رافعیته للحدث والخبث لان المطهریة تعني الرافعیة للحدث والخبث.

رأي المحقق النائیني(ره) في العام المتضمن للحکم الالزامي أو الملزوم للحکم الإلزامي

للمحقق النائیني کلامٌ هاهنا لا یختص بما نحن فیه. فقد ادعی(ره) کلاماً وذهب إلى التمسك بقاعدةٍ یجب العمل بها في المقام إذا ثبتت وعمل بها في کل مقام.

قال(ره): العام إما متضمنٌ للحکم الالزامي وهو الوجوب والحرمة، وإما ملزومٌ للحکم الالزامي کالنجاسة فإنها أمرٌ وضعي ولیست حکماً الزامیاً، بل هي ملازمةٌ للحکم الالزامي؛ ولذلك یجب الاجتناب عن الشيء المجعولة له النجاسة ویحرم اکله وشربه ولا یصح التوضؤ والغسل به. فإذا کان العام متضمناً أو ملزوماً للحکم الالزامي واستـثني منه عنوان وجودي وهو عنوان یترتب علیه الحکم الترخیصي قهراً ـ کما لو قال المولی لعبده: «لا یدخل عليّ أحد».

ثمّ قال: «إلّا أصدقائي» هذا العام، حکم إلزامي والصدیق عنوان وجودي خرج عنه. فهذا بنفسه دلالةٌ عرفیةٌ علی أنّ الشارع أو المتکلم جعل من العموم اداةً للتمسك بها في موارد الشك والاخذ بالحکم الالزامي. فإذا لم یحرز الحکم الترخیصي في مورد أخذ بالحکم الالزامي.

کذلك فیما نحن فیه حکم الشارع بتنجس کلّ الاشیاء بالملاقاة إلّا الماء الکر، واستثنىٰ من هذا الحکم العام عنواناً وجودياً وحینئذٍ لو شكّ في کریة ماءٍ لزم الحکم بالتنجس وإن کانت الشبهة فیه شبهةٌ مفهومیةٌ للزوم احراز الحکم الترخیصي وثبوت الحکم العام عند العرف إذا لم یحرز الحکم الترخیصي، ولا تثبت الرخصة إلّا عند إحراز ذلك العنوان الوجودي، ولو تمّت هذه القاعدة لجرت في کلتا الشبهتین الموضوعیة والمفهومیة.

إشکالٌ على قاعدة المحقق النائیني(ره)

لا تتم القاعدة النائینیّة؛ لانّا لا نسلّم التمسّك بالعام عند عدم احراز العنوان الوجودي فیما إذا کان العام متضمناً أو ملزوماً للحکم الالزامي ومخصصاً بعنوان وجودي، سواءٌ کان الشك في الشبهة الموضوعیة أو المفهومیة؛ وذلك لتقیید العموم بالعنوان الوجودي المستثنی منه، إي العام یقید بغیر الاصدقاء في المثال کما قرر في بحث العام والخاص؛ فکیف یجري الحکم العام عند اشتباه مصداق الصدیق مثلاً في الشبهة الموضوعیة وعند اشتباه مفهوم الصدیق في الشبهة المفهومیة؟

الاشکال علی تمسّك صاحب التنقیح(ره) بأصالة الطهارة في الشبهة المفهومیة

والعجب من صاحب التنقیح(ره) انه تمسك بأصالة الطهارة في الشبهة المفهومیة عند الشك في اطلاق الماء‌ واضافته؛ وذلك لوجود قاعدةٍ مسلّمةٍ في باب العام والخاص یعتمد علیها في موارد تخصیص العام بمخصصٍ منفصلٍ، واجمال ذلك المخصص المنفصل من حیث المفهوم ودوران أمره بین الاقل والاکثر، کما لو قال الدلیل: «اکرم کلّ عالم» ثمّ ورد دلیلٌ آخر یقول: «لا تکرم الفساق من العلماء» وفرضنا أنّ مفهوم الفاسق مجملٌ ومرددٌ بین فاعل الکبیرة فقط أو الاعم منه ومن المصرّ على الصغیرة، ولا نعلم ان المرتکب للصغیرة بلا اصرار مستثنى عن العموم أم لا؟ فلا یکون اجماله مانعاً عن التمسك بعموم العام[1] کما علیه صاحب التنقیح، ولکن حسب رأینا لا عموم هنا حتی یتمسك به. والحمد لله ربّ العالمین.


[1]– حیث ان ظهوره في العموم قد انعقد والمخصص المنفصل لا یکون مانعاً عن انعقاد ظهوره فیه، وعلیه فلا محالة یقتصر في تخصیصه علی المقدار المتیقن ارادته من المخصص المجمل، وهو خصوص فاعل الکبیرة في المثال، واما في المشکوك وهو المصرّ على الصغیرة فبما ان الخاص لا یکون حجة فیه لفرض اجماله فلا مانع من التمسك فیه بعموم العام.