حکم المائع المردد بین المطلق والمضاف (ج 41)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الواحد والأربعون

حکم المائع الکثیر المردد بین الاطلاق والاضافة

یتنجس المائع القلیل المشکوك بملاقاة النجس، ولکن یحکم بالطهارة وعدم التنجس بالملاقاة إن کان کثیراً ولم تکن له حالةٌ سابقةٌ، ویتم هذا بناءً علی ما ذهبنا إلیه من عدم وجود عمومٍ حتی یخرج الماء الکثیر منه.

وربما یقال إنّ العموم موجودٌ في الشبهة الموضوعیة؛ لأنّ الامام (علیه السلام) قال في موثقة أبي بصیر الواردة[1] في ولوغ الکلب: «لا یشرب من سؤر الکلب إلّا أن یکون حوضاً کبیراً یستقیٰ منه» والشبهة هنا موضوعیةٌ والمخصص فیها متصلٌ ولا إجمال فیه، والعموم دلّ علی تنجس المائع الذي باشره الکلب إلّا الکرّ منه فیستصحب عدم کثرة الماء باستصحاب العدم الازلي عند الشك في کثرته وقلته إذ المائع لم یکن کثیراً حین عدم وجوده والآن لم نعلم کثرته وقلته فنستصحب عدم کثرته ولا حاجة إلی اثبات کونه مضافاً، بل المقصود هو نفي المخصص واثبات عدم کریته، والحکم بتنجسه عند الملاقاة أخذاً بالعموم. فالحکم بالتنجس مشروطٌ بجریان استصحاب العدم الازلي، ولا یبعد جریانه ظاهراً کما سیأتي في محله.

فملخّص الکلام هو الحکم بتنجس المائع المشکوك بالملاقاة في الشبهات الموضوعیة إذا لم تعلم حالته السابقة، کما یحکم بتنجسه مع قلّته ویحرز باستصحاب عدم کونه ماءً، عدم کریته ودخوله في المستثنی منه الوارد في موثقة أبي بصیر: «لا یشرب من سؤر الکلب…».

حکم المائع المشکوك اضافته واطلاقه عند تعاقب الحالتین

هناك صورة أخریٰ في الشبهة الموضوعیة وعند الشك في الاطلاق والاضافة وهي صورة الشك في تعاقب الحالتین أي العلم بطروء حالتي الاطلاق والاضافة والشك في المتقدم والمتأخر منهما، کما لو فرضنا مائعاً علم اطلاقه واضافته ولکن طرأ الشكّ في أنه کان مضافاً ثمّ صار مطلقاً أم کان مطلقاً ثمّ صار مضافاً، وقد عرفت مما ذکرنا أنّ هذا المائع المشکوك لا یرفع حدثاً ولا خبثاً لجریان استصحاب عدم الغسل بالماء أي عدم حدوث غسل الوجه والیدین والثوب بالماء، إمّا لتعارض استصحاب کونه ماءً باستصحاب کونه مضافاً وسقوطهما عن الاعتبار، کما علیه الشیخ(ره) وإما لعدم جریان الاستصحاب في نفسه، کما علیه صاحب الکفایة(ره)[2] وسنوضح الفرق بینهما عند الشك في تعاقب الحالتین وتقدم الحادثین وتأخرهما إن شاء‌ الله تعالی. والحاصل أنّه لا مجال للرجوع إلی الاستصحاب علی کلّ تقدیر، ولذلك یحکم ببقاء الحدث والتنجس. فالمائع الملاقي یتنجس قطعاً إذا کان قلیلاً والکلام الکلام إن کان کثیراً مطابقاً لما قررناه ولا یجري هنا استصحاب عدم کونه ماءً من الازل؛ لانّ العدم السابق له قد انتقض بکونه ماءً في السابق.

الفرق بین تعاقب الحالتین والشبهة الموضوعیة الفاقدة للحالة‌ السابقة

ثمّ إنّه لا إشکال في جریان استصحاب العدم الازلي والحکم بالنجاسة في الشبهة الموضوعیة لو لم یعلم بالحالة السابقة فیها؛ لأنّه لم یکن کراً قبل وجوده، واما في تعاقب الحالتین وطروء حالتي الاضافة والاطلاق والشك في المتقدم منهما والمتأخر وعند کثرة المائع فیرجع إلی قاعدة الطهارة، ولا مجال لجریان استصحاب العدم الأزلي؛ لأنّه کان ماءً سابقاً ولا یعلم زواله بعد اضافته أو وجوده بعد زوال اضافته، فالعدم الازلي له منتقضٌ بحدوث المائیة علیه، وحینئذ لا مناص من الرجوع إلی قاعدة الطهارة للشك في طهارته ونجاسته.

فتلخص أنّ الأصل في الشبهة الموضوعیة الفاقدة للحالة السابقة هو النجاسة خلافاً لصاحب العروة(ره)[3] القائل بالطهارة وعدم جریان استصحاب العدم الازلي فیها، ولکن یحکم بالطهارة وعدم التنجس في صورة تعاقب الحالتين، کما هو الحال في الشبهة المفهومیة. والحمد لله ربّ العالمين.


[1]– الشیخ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، (قم، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ط 1، ت 1409ق)، ج1، ص226.

[2]– محمد کاظم الخراساني، کفایة الاصول (قم، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ط 1، ت 1409ق)، ص419-422.

[3]– السید محمد کاظم الیزدي، العروة الوثقی، (بیروت، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، ط 2، ت 1409ق) ج1، ص28.