حکم المائع المردد بین المطلق والمضاف (ج 42)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثاني والأربعون

تطهیر المضاف بالاستهلاك ومعناه

مسألة 6: «المضاف النجس یطهر بالتصعید کما مرّ وبالاستهلاك في الکر أو الجاري»[1].

قال صاحب العروة (قدس سره) ـ ابتداءً ـ : إنّ المطهر للمضاف المتنجس هو التصعید أي انقلابه بخاراً؛ وذلك لتحقق الاستحالة بالتصعید، والاستحالة هي انتفاء الموضوع السابق وانتفاء المعروض السابق للنجاسة بالتبخیر، فالتصعید داخلٌ في الاستحالة. ثمّ ذکر (قدس سره) مطهراً آخر للمضاف المتنجس وهو الاستهلاك فیطهر المضاف المتنجس بالاستهلاك في الكر أو الجاري أو ماء البئر.

والمراد بالاستهلاك کما عرّفه الفقهاء هو تفرق اجزاء الشيء وتشتتها في الماء المعتصم بحیث یخرجه عن عنوان المضاف ویصدق الماء المطلق علی المستهلك والمستهلك فیه بعد الامتزاج وصیرورتهما وجوداً واحداً؛ کما لو صببنا اناءً کبیراً من الخل المتنجس في ماء الحوض بحیث امتزجت أجزاؤه بماء الحوض وصارت متفرقةً ومتشتتةً فیه، وصدق عنوان الماء المطلق علی المجموع فیطهر الخل بهذا الاستهلاك.

وهذه الصورة للاستهلاك ـ کما ذکره السید الحکیم(ره) ـ داخلةٌ في انعدام الموضوع عرفاً، وفي الحقیقة هذا الاستهلاك بما هوهو لیس مطهراً، بل انتفاء الموضوع السابق وهو الشيء المتنجس موجبٌ لانتفاء النجاسة بحیث یعده العرف معدوماً وإن لم ینعدم بالدقة العقلیة؛ فالمضاف منعدمٌ عند العرف، وتفرق الاجزاء موجبٌ لعدم بقاء عنوان المضاف.

صور استهلاك المضاف في الماء

الصورة الأولی:

أن یستهلك المضاف في الماء بسبب تفرق اجزائه وتشتتها فیه بحیث لا یبقی عنوان المضاف ولا یبقی اثرٌ منه في الماء بعد الامتزاج والانتشار، ویبقی الماء علی ما کان علیه قبل الامتزاج لکثرته وقلة المضاف وفي هذه الصورة الاجماع قائمٌ علی تطهیر المائع المضاف بالاستهلاك.

الصورة الثانیة للاستهلاك:

أن یستهلك المضاف في الماء بسبب تفرق اجزائه وتشتتها فیه بحیث یصدق الماء المطلق علی المجموع عند العرف، ولکن مع بقاء شيءٍ من اثر المضاف في الماء، کما لو صبّ الخل (المضاف) في الماء (مطلق الکر) وتأثّر الماء بطعم الخلّ وتحمّض قلیلاً. المشهور والمعروف في هذه الصورة هو الحکم بالطهارة کالصورة الأولی.

ما اورده الشیخ الانصاري(ره) على رأي المشهور في الصورة الثانیة

وقد نسب إلی الشیخ الأنصاري أنّه أشکل على رأي المشهور وقال: إنّ الماء ‌المطلق ینجس في الصورة الثانیة لأنه تغیّر بسبب الحموضة.

وسیأتي إن شاء الله أنّ الماء المعتصم ینجس بتغیر أحد أوصافه الثلاثة وهي الطعم واللون والرائحة بأوصاف عین النجاسة دون أوصاف المتنجس، کما لو ابیضّ الماء قلیلاً برغوة الصابون الناتجة عن غسل الثوب في ماء الحوض؛ فماء الحوض لا ینجس بهذا التغیر؛ لانه تغیرٌ ناتجٌ عن أوصاف المتنجس لا أوصاف عین النجس.

الاستهلاك بمعنى انعدام الموضوع والإشکال علیه

لا تنبغي المناقشة في عدم تنجس الماء ‌المطلق (الکرّ) في کلتا الصورتین، حسب رأینا في هذه المسألة. إنّما الکلام في مرجع الاستهلاك إلى انعدام الموضوع ـ کما علیه السید الحکیم(ره)[2] في بدایة کتاب المستمسك ـ وأن الاستهلاك هل هو انعدام الموضوع وانتفاؤه أم لا علاقة له بانعدام الموضوع؟

فإذا استهلك المضاف أو غیر المضافٍ من الجوامد المتنجسة في الماء المعتصم بحیث لم یتغیر أحد الاوصاف الثلاثة للماء المعتصم بعین النجس، فالماء محکومٌ بالطهارة إما لوجود الدلیل في المقام، وإمّا لانعدام الموضوع في الاستهلاك کالاستحالة کما هو ظاهر السید(ره) ومذهب البعض.

ولکن من یذهب إلى أنّ مرجع الاستهلاك إلى انعدام الموضوع یرد علیه اشکال النقض. مثلاً لو فرض أنه وقع جزء الفأرة في کیسٍ من الحنطة واستهلك الجزء بتطحین الحنطة بحیث اعتبرهما العرف طحیناً وأطلق علیهما عنوان الطحین ثم عجّن الطحین وخبز للزم الحکم بطهارته وجواز اکله البتة لصیرورة الحنطة والجزء شیئاً واحداً لدى العرف بالطحن.


[1]– السید محمد کاظم الیزدي: العروة الوثقی، (بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطوبعات، ط 2، ت 1409ق)، ج1، ص29.

[2]– مرجع الاستهلاك إلى انعدام الموضوع؛ السید محسن الحکیم، مستمسك العروة‌ الوثقی، (قم، دار التفسیر، ط 1، ت 1416)، ج2 ص4.