بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الخامس والسّتون
حکم الماء المتغیّر بالمجموع من النجس الداخل والخارج
إنّما الکلام فیما فرضه صاحب العروة(ره) في المسألة 15، حیث قال: «إذا وقعت المیتة خارج الماء ووقع جزءٌ منها في الماء وتغیّر بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجّس» بحیث لو کان جزءٌ من النجس داخل الماء بمفرده مع قطع النظر عن وجود شيءٍ منه خارج الماء لما تغیّر الماء، فالمفروض هو استناد التغیّر إلی المجموع من الجزء الداخل والجزء الخارج، وحکم صاحب العروة فیه بنجاسة الماء وإن لم یکن مجموع النجس داخل الماء، فیکفي التغیّر بجزءٍ من النجس في الحکم بالنجاسة.
وکأنّ المشهور أیضاً حکم بالنجاسة لتمسّکه بالاطلاقات کصحیحة عبدالله بن سنان: «عن غدیرٍ أتوه وفیه الجیفة؟ قال: إن کان الماء قاهراً» أي «إن کان الماء لم یتغیّر ولا توجد منه الریح» کذا فسّره الامام (علیه السلام): «فتوضّأ منه» ولم یقیّد الامام (علیه السلام) قاهریة الماء بجزءٍ من الجیفة الملقاة في الماء، بل حکم علی الإطلاق وقال: إن کان الماء قاهراً إي لم یکن متغیّراً فلا بأس وإلّا یحکم علیه بالنجاسة، سواءٌ کان التغیّر مستنداً إلى الجزء الداخل في الماء أو مستنداً إلى المجموع من الجزء الداخل والجزء الخارج. هٰکذا حکم المشهور، وقال الحاج آقا رضا الهمداني في کتاب الطهارة: إنّ إطلاق الروایات «وفیه الجیفة وفیه المیتة» یشمل هذه الصّورة.
والسید الحکیم(ره) في المستمسك قرّب تنجّس الماء المتغیّر بالمجموع من النجس الداخل بعضه في الماء والخارج بعضه الآخر عن الماء، وقال: «مع أنّ الغالب، الجیفة التي تکون في الماء بروز بعضها». فعادةً حینما تلقیٰ المیتة في الماء یستند التغیّر إلی المجموع من الداخل في الماء والخارج عنه؛ لأنّ المیتة لا تغیّر رائحة الماء وطعمه بمجرد إلقائها فیه، بل لابدّ من بقائها في الماء وتحوّلها إلى الجیفة أو تکون هي جیفةٌ من الابتداء کي تغیّر الماء، وبعد التحوّل إلى الجیفة تنتفخ وتعلو علی السطح ویبرز جزءٌ کبیرٌ من جثّتها خارج الماء لانتفاخها، فتغیّر الماء بمجموعها الداخل في الماء والخارج عنه عادةً وغالباً، وحینئذٍ لا فرق في کون المیتة خارج الماء لانتفاخها أو کون بعضها داخل الماء وبعضها الآخر خارج الماء.
ثمّ قال في ذیل کلامه: «نعم، لو کانت الجیفة في الخارج وبعضها الیسیر في الماء کطرف رجلها وذنبها ونحوهما لم تبعد دعوی الانصراف عن مثله». فلا یحکم بالنجاسة إذا تغیّر الماء في هذه الصورة لأنّ قوله: «وفیه الجیفة» في الأخبار منصرفٌ إلى ما یؤثّر من أجزاء المیتة في التغیّر لا إلی ما لا یؤثّر منها فیه کطرف الرّجل والذنب، وإن کان العقل یحکم بمدخلیة البعض الیسیر أیضاً، ولکنّ الروایات منصرفةً عن مثله.
عدم ٱنفعال الماء المتغیّر بالمجموع من النجس الداخل والخارج بناءً علی ما ذهب إلیه التنقیح
وقد أشکل علی الحکم بالنجاسة في التنقیح وأنّه إذا ٱستند التغیّر إلى مجموع الداخل والخارج فالظاهر أنه لا یوجب الانفعال کما لو ألقیت میتةٌ بعضها خارج الماء وبعضها داخل الماء وتغیّر الماء بالمجموع من الداخل والخارج فما أفاده صاحب العروة وصاحب المستمسك لا وجه له. لماذا؟ قال: لأنّ الحکم بنجاسة الماء في المقام یستلزم الحکم بها فیما إذا تغیّر ماء الکرّ أو الجاري بوقوع النجاسة ولم یستند التغیّر إلى وقوع النجاسة، بل ٱستند إلى المجموع من الطاهر والنجس کما لو صببنا مقداراً من الصّبغ الطاهر علی طرفٍ من الماء ودخل مقدارٌ من الدّم النجس إلى الطرف الآخر من الماء فتغیّر لون الماء وٱستند تغیّر الماء إلى المجموع من الصّبغ والدّم فیلزم الحکم بنجاسة هٰذا الماء في هٰذا الفرض إذا حکم بنجاسة الماء في المتغیّر بالمجموع من النجس الداخل والخارج؛ إذ لو کان المعتبر في التغیّر هو ٱستناده إلى عین النجس داخل الماء، لزم الحکم بطهارة الماء في هٰذا الفرض وفي المسألة 15؛ لأنّ التغیّر لیس مستنداً إلى الجزء الملقی في الماء، ولو کان الاستناد في الجملة کافیاً، بمعنی کفایة الاستناد إلى الجزء المؤثّر، لزم الحکم بنجاسة الماء في هٰذا الفرض أیضاً.
فهذا الماء المصبوب علی أحد طرفیه صبغٌ طاهرٌ وعلی طرفه الآخر دمٌ نجسٌ یماثل الماء في المقام فجزء المیتة خارج الماء کالصّبغ الطاهر لا ینجّس الماء.
وأوضح من هذا الفرض هو ما إذا ألقیت جیفةٌ بتمامها في الماء وألقیت جیفةٌ أخری خارج الماء وتغیّر الماء بالمجموع منهما بحیث لو لم تکن تلك الجیفة الموجودة خارج الماء لما تغیّر الماء.
والحاصل انه إذا حکم بنجاسة الماء في ما فرض صاحب العروة(ره) من ٱستناد التغیّر إلى المجموع من الداخل والخارج لزم الحکم بنجاسة الماء فیما إذا ٱستند التغیّر إلى النجسین أحدهما داخل الماء والآخر خارج الماء، وأیضاً فیما إذا ٱستند التغیّر إلى المجموع من الطاهر والنجس کتغیّر الماء بالمجموع من الصّبغ الطاهر والدّم النجس. هکذا قال في التنقیح.
شمول الروایات للنجس الداخل والخارج
سیأتي تفصیل البحث إن شاء الله تعالی وأنه لا وجه لهٰذا الکلام. فقد فرض صاحب العروة(ره) الحکم بالنجاسة فیما إذا کان مقدارٌ من المیتة داخل الماء وبعضها خارج الماء وٱستند التغیّر إلى المجموع والروایات تشمل هذا الفرض کما في صحیحة ابن بزیع. فالحیوان الملقی في البئر یطفو علی السطح عادةً ویتغیّر الماء بمجموع الداخل والخارج.
لکنّ الروایات لا تشمل الماء المصبوب فیه جسمٌ طاهرٌ وجسمٌ نجسٌ وانما تشمل الماء الذي القیت «فیه الجیفة» وظاهرها ٱستناد التغیّر إلی الجیفة فتنصرف الأخبار عما إذا ٱستند التغیّر إلى الشيء الطاهر أو إلى النجس خارج الماء. فظاهر الاخبار بضمیمة القرینة العادیة التي ذکرناها هو شمولها لفرض وقوع النجس في الماء وتغیّره بذلك، سواءٌ کان التغیّر مستنداً إلى الجزء الداخل في الماء فقط أو مستنداً إلى الجزء الداخل في الماء والجزء الخارج عن الماء.
وإن شئت بیان ذلك بعبارةٍ أوضح فإنه قال في التنقیح: لا فرق بین هذه الفروض الثلاثة في مقام التأثیر بالدّقة العقلیة. فالتأثیر في جمیعها مستندٌ إلى المجموع من الداخل في الماء والخارج من الماء، وما یکون خارج الماء بمنزلة الطاهر ولا فرق بین الطاهر والخارج في عدم تنجّس الماء. فما أفاده من الدّقة العقلیة وجیهٌ إلّا أنّ الکلام في ظهور الروایات وشمولها وهي تصدق علی التغیّر المستند إلى النجس الذي بعضه في الماء وبعضه خارج الماء ـ والبعض هنا یعني الجزء لا بعض الأفراد ـ ولا تصدق علی الفرض الذي ذکره وأقصیٰ ما یمکن أن یقال فیه هو الشّك في دخوله فنحکم بالطهارة فیه ولا تشمله الروایات الواردة في النجاسة ولکن نلتزم فیما فرضه صاحب العروة(ره) بالنجاسة لشمول الاخبار له، والدّقة العقلیة لا تصلح أن تکون میزاناً للحکم وإن کان لها واقعٌ لا ینکر. هذه هي الجهة الثانیة.
لزوم تغیّر الماء بأوصاف النجاسة في الحکم بتنجّسه
«وأن یکون التغییر بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجّس، فلو وقع فیه دبسٌ نجسٌ فصار أحمر أو أصفر لا ینجس إلّا إذا صیّره مضافاً. نعم. لا یعتبر أن یکون بوقوع عین النجس فیه، بل لو وقع فیه متنجّسٌ حاملٌ لأوصاف النجس فغیّره بوصف النجس، تنجّس أیضاً».
المقام الثالث أو الجهة الثانیة هي ما قاله العلماء وظاهر کلام العروة من لزوم التغیّر الموجب للنجاسة بأوصاف النجاسة من دون فرقٍ بین وقوع عین النجس في الماء وسرایة أوصاف عین النجاسة إلى الماء أو وقوع المتنجّس في الماء حاملاً لأوصاف النجاسة وسرایة أوصاف النجاسة من المتنجّس إلى الماء، کما لو تنجّس الثوب بالبول الکثیر ثمّ یبس مع بقاء رائحة البول فیه فألقي في ماء الکرّ وبقي فیه مدّةً حتی ٱکتسب الماء رائحة البول. فهنا یحکم بنجاسة ماء الکر کما قاله صاحب العروة(ره) من دون فرقٍ بین هٰذین الموردین.
نعم، لا یتنجّس الماء في صورةٍ واحدةٍ وهي ما إذا کان المتنجّس حاملاً لعین النجس ولکن لم تسر أوصاف النجس إلى الماء، بل سرت أوصاف المتنجس إلى الماء، کما لو وقع في ماء الکر دبسٌ متنجّسٌ وظهر طعمه في الماء مع صدق المطلق علی الماء وعدم صدق الدبس والعصیر (الشربت باللغة العامیّة) علیه، أو ظهر لونه في الماء من دون إضافة الماء. فأثر المتنجّس لا ینجّس الماء إذا ٱستهلك فیه. والحمد لله ربّ العالمین.