حکم العیون المؤقبة (ج 45)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الخامس والاربعون

ما أورده السید الخوئي(ره) علی الاستدلال بالروایة المذکورة في المختلف ومرسلة الکاهلي

ذکرنا أنّ العلامة الحلي(ره) ملتزمٌ بطهارة المضاف النجس أو المتنجس بمجرد اتصاله بماء الکر واستدل علیٰ ذلك بالروایة المذکورة في المختلف ومرسلة الکاهلي، وقد أجاب صاحب التنقیح(ره)  عن هذا الاستدلال وأورد في التنقیح إشکالاً من حیث السند وإشکالاً من حیث الدلالة علی هاتین الروایتین: أما من حیث السند فإنّ الروایة المذکورة في المختلف لا سند لها أي لا نعلم الطریق الذي استند إلیه في نقل الروایة، ولم یصل سندها إلینا، وروایة عبدالله بن یحییٰ الکاهلي منقولةٌ عن رجلٍ لا نعلم وثاقته ولم یرد مدحٌ فیه. ففي الروایتین اشکالٌ من حیث السند.

وأمّا من حیث الدلالة فلا یمکن الالتزام بمضمونهما؛ لأنّ غایة ما یستفاد منهما هو طهارة سطح السّمن أو الزیت الذي أصابه ماء ‌المطر أو اتّصل به الکر، وأما طهارة الباقي فلا تستفاد من هاتین الروایتین، وإلّا لاستلزم القول بطهارة مثل الخشب فیما إذا کان کلا طرفیه نجساً واتصل احدهما بالکر أو المطر دون الآخر، حیث یصح أن یقال عرفاً انه مما أصابه الماء أو رآه المطر مع أنه لا وجه لطهارة الطرف الآخر الذي لم یلاقه الماء أو المطر. فدعویٰ أنّ الماء أو المطر إذا أصابا سطحاً من الزیت یحکم بطهارة الزیت کلّه، لا وجه لها. غایة الأمر هو الحکم بطهارة السطح الملاقي للکر أو المطر دون غیره فلابدّ في حصول الطهارة من اصابة الماء کل اجزاء المتنجس إذا لم یکن قابلاً للاستهلاك کالخشب أو استهلاك المتنجس في الماء وامتزاجه به کالمضاف.

الاشکال علیٰ کلام السیّد الخوئي(ره): عدم جواز القیاس بین المقام والخشب المتنجس

لکن لا یتمّ ما قاله صاحب التنقیح(ره) من قیاس الزیت والسمن بالخشب لانه لو تمت دلالة الروایتین علىٰ طهارة سطح الزیت لحکم بطهارة الزیت کلّه لوجود التناسب بین الحکم والموضوع، فالحکم بنجاسة جزءٍ من المائع الواحد الذي لا یمکن التمییز بین اجزائه موجبٌ لنجاسة‌ الکلّ، ولا وجه لجعله موضوعاً لحکمین متباینین عرفاً، بخلاف الخشب وغیره من الاجسام الجامدة فإنّ الحکم بطهارة جزءٍ منه لا یوجب الحکم بطهارة سائر أجزائه، إذن لو تمت الروایتان سنداً لأمکن الاستدلال بهما علی طهارة جمیع اجزاء المضاف؛ إذا اصابها المطر، ولا یبعد أن یکون مقتضی الروایتین هو طهارة ما أصابه المطر وطهارة غیره من االاجزاء بالتّبع ولکنهما ضعیفتان سنداً فلا یؤخذ بهما، ولا یمکن الاعتماد علیهما والحکم بطهارة السوائل المتنجسة إذا أصابها المطر أو باتصال الکر بها.

مقتضى المناسبة بین الحکم والموضوع

ویمکن أن یقال بأنّ الروایتین ـ إن تمّ سندهما ـ تدلان علی طهارة ما رآه المطر بقرینة المناسبة بین الحکم والموضوع في قوله (علیه السلام): «کلّ شيءٍ یراه المطر» فلا تحصل الطهارة إلّا إذا أصاب المطر المتنجس کلّه وإن کان مائعاً والمفروض أنّ المطر أصاب جزءاً من المتنجس لا کله. ولکنّ العمدة فیهما هو الاشکال السندي لأنه لا یبعد القول بطهارة الکلّ عند إصابة المطر جزءاً من المتنجس لصدق الاصابة هناك وطهارة سائر الأجزاء بالتّبع؛ لأنه مائعٌ واحدٌ، هذا إذا کان المطر قد أصاب موضع النجس من المتنجس وإلّا فلا تحصل الطهارة بإصابته الموضع الطاهر منه دون الموضع النجس، کما یفهم منها هذا المعنی عرفاً وتقتضیه المناسبة بین الحکم والموضوع، وکیف کان لا یتم سندهما ولا تتم دلالتهما علی المدعىٰ. بقیت في المقام روایةٌ أخری وهي روایة السکوني: «عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) الماء یطهّر ولا یطهّر» وقد یتوهم منها الحکم بإمکان تطهیر المضاف، بل حتی السّمن والزیت بالماء فإذا غلىٰ الزیت في ماء الکر واصاب الماء کلّ اجزائه طهر وإن لم یستهلك فیه، وسیأتي تفصیله في البحث القادم إن شاء الله تعالیٰ.