تنجس الماء بتغیر اللون (ج 57)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابع والخمسون

الحکم المستفاد من الروایات الدّالة علی تنجّس الماء بتغیّر اللّون

تقتصر الروایات الواردة في خصوص تغیّر الماء علی الطّعم والریح ولم یذکر اللّون فیها؛ منها صحیحة الیماني عن أبي خالدٍ القمّاط أنّه سمع أبا عبدالله (علیه السلام) یقول في الماء یمرّ به الرّجل وهو نقیعٌ فیه المیتة والجیفة» فقال أبو عبدالله (علیه السلام) إن کان الماء (فیه المیتة والجیفة) قد تغیّر ریحه أو طعمه فلا تشرب منه ولا توضّأ منه وإن لم یتغیّر ریحه أو طعمه فاشرب وتوضّأ.

ومنها ما تدلّ علی مطلق التغیّر کصحیحة حریزٍ، عن أبي عبدالله (علیه السلام) «فإذا تغیّر الماء أو تغیّر الطّعم فلا توضّأ منه ولا تشرب».

ومن الروایات المستفاد منها تنجّس ماء الکرّ بالتغیّر اللّوني هي صحیحة أبي بصیر. ینقل الشیخ «عن محمد بن محمدٍ النعمان، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید» وفي سندها أحمد «أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید، عن أبیه، عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن عیسی بن عبید، عن یاسین الضریر، عن حریز بن عبدالله، عن أبي بصیر أنه سأل عن الماء النقیع تبول فیه الدّواب؟ فقال: إن تغیّر الماء فلا تتوضّأ منه، وإن لم تغیّره أبوالها فتوضّأ منه، وکذٰلك الدّم إذا سال في الماء وأشباهه» أي أشباه الدّم من سائر النجاسات. ومن المعلوم أنّ تغیّر الماء بالدّم هو التغیّر في اللّون فلا یقصد به خصوص التغیّر في الطّعم قطعاً، بل المقصود إما هو التغیّر في اللّون والطّعم معاً، وإما التغیّر في اللون فقط کما هو ظاهر الروایة.

وتوجد روایةٌ أخرى في المقام ولٰکنّ العمدة هي الروایة هٰذه الدّالة علی التغیّر في اللّون.

الاشکال علی روایة اإبراهیم الیماني والجواب عنه

لابد من النقاش في هٰذه الروایة من جهتین:

الجهة الأولی: هي سندها لأنّ الواقع في سندها هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید، وهٰذا الشخص لا توثیق له. نعم، أبوه من الأجلّاء ولٰکنّه لا توثیق لٱبنه.

الجهة الثانیة: هي أنّ الروایة متضمّنةٌ لحکمٍ لم یلتزم به الفقهاء. فما هو ذٰلك الحکم؟ الحکم هو قوله (علیه السلام) في صدر الروایة: «أنّه سئل عن الماء النقیع تبول فیه الدّواب» وظاهر لفظة الدّواب هو البهائم الأربع کالفرس والحمار ونحوهما، وأبوال الدّواب طاهرةٌ لا تنجّس الماء‌ وإن تغیّر الماء بها، وصدر الروایة یدلّ علی انفعال الماء النقیع بأبوال الدّواب «فلا تتوضّأ منه، وإن لم تغیّره أبوالها فتوضّأ منه» فکأنّ في هٰذه الروایة‌ إشکالٌ من حیث السّند، وإشکالٌ من حیث الدّلالة.

نتناول الجواب عن الشّبهة الثانیة ابتداءً لاختصاره وعدم الحاجة إلی التّفصیل فنقول:

أولاً: قد ثبت في مبحث حجیّة الخبر أنه لا إشکال في الأخذ بالمقطع المعمول به وطرح المقطع المعرض عنه في الروایة ذات المقطعین، أحدهما معمولٌ به وثانیهما معرضٌ عنه. فهنا لا یسقط الخبر عن الحجیّة بتمام مقاطعه، بل إنّما یجري التبعیض في متن الروایة التي تبیّن حکمین أحدهما یخالف فتوی الشیعة ویعرض عنه الأصحاب، وثانیهما موافقٌ له ومعمولٌ به، وهٰذا أمرٌ معروفٌ لا اشکال فیه. فالصدر في هٰذه الروایة غیر معمولٍ به، ولٰکن لا دلیل علی طرح الذّیل فیها فلابد من الأخذ والعمل به.

هٰذا أولاً.

وأما ثانیاً: فمن قال بأنّ المراد من الدّواب في هٰذه الروایة هو خصوص مأکول اللّحم من البهائم أي الحمار والبغل والفرس والبقر والشاة ونحوها؟ ولعلّ الدّواب هي مطلق الحیوان من المأکول وغیره. فکأنّ لفظة الدّواب منقولةٌ عن المعنی اللّغوي الأول إلى المعنی الثاني، وظاهرةٌ فیها ولا شكّ أنّ التبعیض في الروایة أمرٌ معروف.

أمّا الشبهة الثانیة فقد کانت من حیث السّند، وقد مرّ أنّ وقوع أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید في سندها لا یسقطها عن الاعتبار، والسّرّ في ذٰلك هو أنّ وقوع حریز بن عبدالله وأمثاله من الرّواة في سند أيّ روایةٍ‌ موجبٌ لاعتبار تلك ‌الروایة؛ لأنّ الشیخ(ره) قال في حقّهم في الفهرست: «أخبرنا بجمیع کتبه وروایاته، وقد ذکر الشیخ(ره) أسانید لتلك الروایات والکتب في الفهرست منها صحیحةٌ لا محالة، وأمّا کیف یثبت الاعتبار بذٰلك؟ فنتناوله في البحث القادم إن شاء الله تعالیٰ. والحمد لله ربّ العالمین.