تنجس الماء بالتَّغیر (ج 54)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الرّابع والخمسون

تنجّس الماء بالتغییر في بعض أوصافه الثلاثة

الکلام هنا في المقام الأول وهو تنجّس الماء بالتغییر في أحد أوصافه الثلاثة فلا یعتبر في التنجّس التغییر في جمیع أوصافه الثلاثة من الطّعم والرّیح واللّون بوقوع النجاسة فیه وفي المقابل لا یتنجّس الماء إذا تغیّر ما عدا أوصافه الثلاثة کالحرارة والبرودة أو الثقل والخفّة ونحو ذٰلك.

وهٰذا المسلك والحکم بتنجّس الماء بجمیع أقسامه حتّى الجاري بسبب تغیّر أحد أوصافه الثلاثة معروفٌ، بل مسلّمٌ بین المتقدّمین والمتأخّرین.

وقد نسب النقاش في هٰذا الحکم إلى صاحب المدارك وغیره[1] أي القول بأنّ التغییر لا ینحصر بهٰذه الثلاثة، بل مطلق التغییر موجبٌ للنجاسة. فإذا أصابت الماء میتةٌ ساخنةٌ مثلاً وارتفعت حرارة الماء تنجّس الماء بها.

إشکال صاحب المدارك في باب تنجّس الماء بالتغییر في الأوصاف الثلاثة

ما ناقش فیه صاحب المدارك(ره) مرکّبٌ من أمرین:

الأمر الأوّل: هو عدم ذکر التغیّر باللون في شيءٍ من روایاتنا ولأجله یستشکل في إلحاقه بالتغیّر بالطّعم والرّیح.

والأمر الثاني: هو وجود روایاتٍ معتبرةٍ في کتبنا الرّوائیة ومقتضی تلك الرّوایات هو تنجّس الماء إذا تغیّر بوقوع النجس فیه أي یقتضي إطلاق الرّوایة تنجّس الماء بجمیع أقسامه، کرّاً کان أو غیر کرٍ، وجاریاً کان أو غیر جارٍ عند التغیّر بوقوع النجس فیه. فمقتضیٰ تلك الرّوایات هو کفایة مطلق التغیّر أي تنجّس الماء بالتغیّر وإن کان من حیث الحرارة أو الثقل ونحو ذلك؛ وکأنّ الاقتصار علی الأوصاف الثلاثة ورفع الید عن المطلقات لا وجه له، أي فیه إشکالٌ ورفع الید عنها موجبٌ للاستشکال في إلحاق اللّون بالطعم والرّیح. ففي المقام أمران وإشکالٌ من جهتین.

فعلیٰ هٰذا الأساس لابدّ من ملاحظة الرّوایات في هٰذا الباب ودراسة أنّ الرّوایات هل تقتضي ما ادّعاه صاحب المدارك(ره) أم ما ذهب إلیه المشهور وهو التنجّس بالتغییر في أحد الأوصاف الثلاثة، وقول المشهور مسلّمٌ عندنا.

الدّلیل علی تنجّس الماء بالتغییر في بعض اوصافه الثلاثة

واستدل علی أنّ التغیّر في أحد الاوصاف الثلاثة موجبٌ لتنجّس الماء، وما عداها لا یوجب التنجّس بالحدیث النبوي الذي نقله ابن إدریس(ره) في أوّل السّرائر، وقال عنه: «إنّه متّفقٌ علیه في روایته» أي لا یشکل علیه من حیث السّند. فهٰذا الخبر من رسول الله (صلی الله علیه وآله) متفقٌ علیه في روایته وإجماعيٌ. کأنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله) ـ حسب ما نقله ابن إدریس وآخرون[2] ـ قال[3]: «خلق الله الماء طهوراً لا ینجّسه شيء».

والمراد هو الطهور الحکمي الذي لا ینجّسه شيءٌ «إلّا ما غیّر طعمه أو لونه أو رائحته» ومن المعلوم أنّ التغییر في أحد الأوصاف الثلاثة کافٍ في التنجّس؛ لأنّ مقتضی ظاهر کلمة «أو» هو کفایة التغیّر في أحدها ولا یعتبر التغیّر في جمیعها وقوله (صلی الله علیه وآله): «إلّا ما غیّر» حصرٌ. فالمنجّس هو ما یغیّر اللّون أو الرائحة أو الطعم. وقد نقلها ابن إدریس(ره) في اول السّرائر في بحث المیاه.

ونقل صاحب الوسائل(ره) هٰذه الروایة في الوسائل عن المحقّق (قدس سره)[4] في المعتبر ونقلها المحقّق(ره) کما یلي: «جعفر بن الحسن بن سعیدٍ المحقّق في المعتبر قال: قال علیه السّلام» وقد جاء هنا عنوان «علیه السّلام»، ولکنّ الخبر نبويٌ في نقل ابن إدریس(ره)، «خلق الله الماء طهوراً لا ینجّسه شيءٌ إلّا ما غیّر لونه أو طعمه أو ریحه».

وکذلك استدل علی هٰذا الحکم بالروایة المنقولة في دعائم الإسلام[5] للقاضي‌ النعمان بن محمّد: «قال: روینا عن جعفر بن محمّد (علیهما السلام) أنّه قال: إذا مرّ الجنب بالماء» الماء هنا مطلقٌ ویشمل جمیع المیاه، سواءٌ کان جاریاً أو راکداً أو غیر ذلك «وفیه الجیفة أو المیتة فإن کان قد تغیّر لذلك» أي تغیّر بالجیفة أو المیتة «طعمه أو ریحه أو لونه فلا یشرب منه ولا یتوضّأ ولا یتطهّر منه» أي لیس مطهّراً.

هٰذا ما ادّعاه القاضي النعمان بن محمّدٍ في دعائم الإسلام وقد ادّعي بأنّه معتمدٌ علیه وکتاب دعائم الإسلام معتمدٌ علیه لأنّه قال في أول کتابه[6]: «نقتصر فیه علی الثابت الصّحیح ممّا رویناه عن الأئمة من أهل بیت رسول الله (صلی الله علیه وآله)».

وکأنّ مقتضی هٰذه الروایة بناءً علی ما ادّعاه القاضي کالحدیث النبوي هو تنجّس کلّ ماءٍ تغیّر أحد اوصافه الثلاثة، وعدم العبرة بما عداها. هٰکذا ٱستدل علی هٰذا الحکم في المقام. والحمد للّٰه ربّ العالمین.


[1]– السید الخوئي(ره) نسب النقاش إلى صاحب المدارك(ره) وصاحب الحدائق(ره)؛ السید أبوالقاسم الخوئي، التنقیح في شرح العروة الوثقی، المقرر میرزا علي الغروي (قم… ط 1 ت 1418ق) ج2 (الطهارة 1)، ص81.

[2]– وقد سبق الشیخ الطوسي في نقلها والاستناد إلیها ابن إدریس(رهما) في کتاب الخلاف ولکن لم ینقل ذیل الروایة «الا ما غیّر…» ونقلها المحقق الحلي(ره) في المعتبر بصدرها وذیلها عن جمهور العامة واستند إلیها ونقل روایة أخرىٰ بهذا المضمون من دون ذکر الراوي أو المروي عنه أو المصدر واستعمل قول «علیه السلام» لقائلها والمستفاد من ظاهر کلامه هو ان الروایة المذکورة منقولة عن أحد الأئمة (علیهم السلام)  لا عن النبي الاکرم (صلی الله علیه وآله) اولا لانه استخدم قول «صلی الله علیه وآله وسلم» في روایة‌نقلها عن جمهور العامة من اهل السنة وانه نقلها عن مصادر الشیعة ثانیا إذ صرح بنقل الروایة عن جمهور العامة في الروایة السابقة ومع ذلك یحتمل احتمالاً ضعیفا بان الراوي هو النبي الاکرم (صلی الله علیه وآله) والروایة منقولة في أحد مصادر الشیعة أیضا لان استعمال قول «علیه السلام» للنبي (صلی الله علیه وآله) لا منع فیه وقد استعمله بعض العلماء وربما یقال بان المحقق الحلي(ره) قد نقل الروایة عن النبي الاکرم (صلی الله علیه وآله) أولاً ولذلك لا حاجة إلى نقلها مرة اخرىٰ وهذا یدل علی ان الروایة منقولة عن الامام (علیه السلام) لا عن النبي (صلی الله علیه وآله) ولکن لا یتم هذا التعلیل لاحتمال أن یکون الداعي في إعادة نقل الروایة ثانیاً هو النقل عن طرق الشیعة (س. م. ی. م. س): ر، ج: محمد بن الحسن الطوسي، الخلاف، (قم، دفتر انتشارات اسلامي، ط 1، 1417ق)، ج1، ص173 وجعفر بن الحسن المحقق الحلي، المعتبر في شرح المختصر (قم، مؤسسة سیدالشهداء (علیه السلام)، ط 1، ت 1407) ج1، ص43 و 44.

[3]– المراد من هذه العبارة هو قول رسول الله (صلی الله علیه وآله) بناءً علی ما نقله ابن ادریس وآخرون.

[4]– قد نقل هذا الخبر «ـ الا ما غیر لونه أو طعمه أو ریحه» في الوسائل عن المحقق(ره) في المعتبر ولکن لا یوجد هذا الذیل في المعتبر بل اقتصر علی «خلق الله الماء طهوراً لا ینجسه شيء» وقد نقل ابن ادریس الروایة بصدرها وذیلها. ر.ج، الشیخ حر العاملي، وسائل الشیعة (قم، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ط 1، ت 1409ق)، ج1، ص135 و 173 وجعفر بن الحسن المحقق الحلي، المعتبر في شرح المختصر (قم، مؤسسة سیدالشهداء (علیه السلام)، ط 1، ت 1407)، ج1، ص43 و 44 ومحمد بن المنصور ابن ادریس الحلي السرائر الحاوي، (قم، دفتر انتشارات اسلامي، ط 2، ت 1410ق)، ج1 ص64.

[5]– وقد روینا ذلك عن جعفر بن محمد (علیه السلام) انه قال اذا مر الجنب بالماء وفیه الجیفة أو المیتة فان کان قد تغیر لذلك طعمه أو ریحه أو لونه فلا یشرب منه ولا یتوضأ ولا یتطهر منه؛ النعمان بن محمد المغربي، دعائم الاسلام (قم، مؤسسة‌آل البیت (علیهم السلام)، ط 2، ت 1385ق)، ج1، ص112.

[6]– قال في مقدمة کتابه دعائم الاسلام ما هذا نصه: «نقتصر فیه علی الثابت الصحیح مما رویناه عن الائمة من أهل بیت رسول الله (صلی الله علیه وآله) من جملة ما اختلفت فیه الرواة عنهم في دعائم الاسلام وذکر الحلال والحرام والقضایا والأحکام»؛ النعمان بن محمد المغربي، دعائم الاسلام (قم، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ط 2، ت 1385ق) ج1، ص2.