بسم الله الرحمن الرحيم
البحث السّتون
عدم وجود الدلیل علی تنجّس الماء بمطلق التغیّر
أولاً: لا تتوفر لدینا مطلقاتٌ دالةٌ علی أنّ مطلق التغیّر ینجّس الماء؛ لأنّ من المطلقات روایة حریز بن عبدالله، قال (علیه السلام): «کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ من الماء وٱشرب، فإذا تغیّر الماء…» لم یقل: «وإذا تغیّر الماء» بل قال: «فإذا تغیّر» للتفریع، والمفروض وقوع عین النجاسة في الماء وتحولها إلی الجیفة (المیتة النتنة) قال الامام (علیه السلام): «کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ» إي إن لم یکتسب الماء رائحةً نتنةً فتوضأ «فإذا تغیّر الماء» بتغیّر الریح وتغیّر الطّعم «فلا تتوضّأ منه ولا تشرب». قوله (علیه السلام) «فإذا» للتفریع. قال الامام (علیه السلام): «فإذا تغیّر الماء» إي إذا تغیّرت رائحة الماء. «وتغیّر الطّعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب» الواو هنا بمعنی «أو» ولیس للجمع، فتغیّر أحد الأوصاف کافٍ في النجاسة، کما دلّت علیه صحیحة أبي بصیر، وقول الامام (علیه السلام): «أو طعمه أو ریحه».
ومن المطلقات روایة عمرٍو الیماني عن أبي خالدٍ القمّاط: «في الماء یمرّ به الرّجل وهو نقیعٌ، فیه المیتة، فقال أبو عبدالله (علیه السلام): إن کان الماء قد تغیّر ریحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه وإن لم یتغیّر ریحه وطعمه فاشرب وتوضّأ».
لیست في هٰذه الروایة دلالةٌ علی مطلق التغیّر ولا توجد روایةٌ تامة السند تدلّ علی ذٰلك إلّا صحیحة ابن بزیعٍ المنقولة في ماء البئر، وقد نقلها الکلیني(ره): عن عدّةٍ من أصحابه، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن اسماعیل بن بزیع، عن الرضا (علیه السلام): «قال: ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلّا أن یتغیّر» والمراد مطلق التغیّر.
اختلاف النقل عن ابن بزیعٍ في ماء البئر والجواب عنه
وبناءً علی اختلاف النقل أورد البعض شبهةً وقال: نقل الشیخ هذه الروایة، هٰذا نصها: «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلّا أن یتغیّر ریحه أو طعمه فینزح حتّی یذهب الرّیح ویطیب طعمه؛ لأنّ له مادة».
ولکن یخلو ما نقله الکلیني من هذا التذییل.
ویجاب عن هٰذه الشبهة بأنّ ابن بزیعٍ ربما سمع الروایة من الامام (علیه السلام) في مجلسین فسمع منه مرّةً أنّ: «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلّا أن یتغیّر» وسمع منه مرّةً أخریٰ أنّ: «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلّا أن یتغیّر ریحه أو طعمه فینزح حتی یذهب الریح ویطیب الطّعم؛ لأنّ له مادة» ثمّ نقلها بالنّص الاول مرةً وبالنّص الثاني مرةً أخری، والثاني یقیّد الاول «إلّا أن یتغیّر» إن کان مطلقاً. فهاتان روایتان، وأما إن کانت الروایة منقولةً بمفردها فالکلیني لم ینقل ذیلها، والشیخ نقلها بصدرها وذیلها، ولا یعدّ هٰذا تعارضاً في النقلین أحدهما أقل والآخر أکثر. فالکلیني مقتصرٌ علی الاقل، والشیخ بسنده ناقلٌ لها بأکملها، وإن فرض سماع الراوي (ابن بزیع) من الامام (علیه السلام) مرةً واحدةً فیکون المسموع هو المنقول عن الشیخ، وأما الکلیني فنقل بعضها أو بقدر ما وصل إلیه منها، ولکن لم یحرز اطلاق ما نقله الکلیني (قدس سره). نعم. لابدّ أن نعامله معاملة المطلق إذ هما تعدّان روایتین. نقول: إنّ لابن بزیعٍ روایتین سمعهما مرّتین من الامام، فیجب الحکم علیهما بحسب الظاهر، ولکنّ النقل الثاني یقیّد النقل الاول.
(ولکن لا یتمّ ما افاده المرحوم الأستاذ في الجواب کما هو الظاهر، بل یبدو أنّ الراوي نقل الروایة بسیاقین مختلفین حسب الظّروف وما اقتضاه السّؤال).
فتحصّل أنه إذا وجدت مطلقاتٌ في التغیّر فقد قیّدت بمقیّداتٍ موجودةٍ لدینا. هٰذا تمام الکلام. والحمد لله ربّ العالمین.