بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (81)
كيفية الاستدلال بصحيحة ابن بزيعٍ في المقام
وجه الاستدلال:
قال الامام (علیه السلام) في صحيحة ابن بزيع: «ماء البئر واسعٌ لا يفسده شيءٌ إلّا أن يتغيّر طعمه أو ريحه» وذيّله بقوله (علیه السلام): «فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه».
إنّ مناسبة الحكم والموضوع في ذيل الرواية تقتضي فرضاً في الرواية وهو ٱستناد التغيّر إلى الشيء النجس الواقع في الماء والذي له رائحةٌ خبيثةٌ كالميتة؛ لأنّ الرواية تدلّ على عدم ٱنفعال الماء إلّا إذا تغيّر ريحه، وتغيّر الرائحة مستندٌ إلى الجيفة الواقعة في الماء، ولا دلالة في الرواية على ٱشتراط مكث الميتة في الماء حين التغيّر، فالتغيّر إذا كان مستنداً إلى الميتة حكم بنجاسة ماء البئر ولو أخرجت منه قبل التغيّر. فإطلاق الصحيحة يشمل هذا الفرض، ويحكم بنجاسة ماء البئر.
«فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه» إي لابدّ من زوال التغيّر حتّى يطهر الماء. فهذه الصحيحة دليلٌ على المطلوب من دون معارض، ويؤخذ بإطلاقها. ولا وجه للاستفصال؛ إذ لا فرق بين ماء البئر وغيره، فإذا تنجّس ماء البئر بالتغيّر تنجّس كلّ ماءٍ متغيّر، وإن اخرجت الميتة منه قبل التغيّر، وهذا هو حكم الماء.
هذا تمام الكلام في المسألة الرابعة عشرة.
وصفوة الكلام أنّه «إذا وقع النجس في الماء فلم يتغيّر» ولو اخرج النجس من الماء «ثمّ تغيّر بعد مدّةٍ فإن علم ٱستناده إلى ذلك النجس تنجّس وإلّا» إي لم يكن الاستناد معلوماً ـ كما لو لم نعلم ٱستناد التغيّر إلى الميتة أو الدّم الذي سال في الماء ـ دخل في مسألة الشّك في تغيّر الماء بالنجاسة كما سيأتي تفصيله في المسألتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة وسنقول هناك إنّ الماء محكومٌ بالطهارة إن لم يعلم الاستناد فيرجع إلى أصالة الطهارة عند عدم وجود دليلٍ آخر على الطهارة وعدم إحراز الاستناد.
تغيّر الماء بسبب وقوع بعض أجزاء الميتة فيه
مسألة 15: «إذا وقعت الميتة خارج الماء ووقع جزءٌ منها في الماء وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجّس بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء».
بيان ذلك: يقع جزءٌ من الميتة خارج الماء وجزءٌ منها في الماء فإذا تغيّر الماء بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجّس بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء، ففي هذا الفرض لا يحكم بنجاسة الماء عند تغيّره، وقد تطرّقنا إلى هذه المسألة بالاجمال في السابق، ولا كلام لنا للافادة هنا زائداً على ما أسلفناه.
فقد قلنا أنّ المفروض في الروايات هو وقوع الميتة في الماء وتغيّر الماء بها، وفرض وقوع الميتة كلّها خارج الماء لا يندرج تحت هذه الروايات، ولا توجد روايةٌ مطلقةٌ تشمل هذا الفرض كما ٱدّعاه البعض، وقول الامام (علیه السلام): «ماء البئر واسعٌ لا يفسده شيءٌ إلّا أن يتغيّر…» ظاهرٌ في وقوع النجس في الماء بقرينة روايات نزح ماء البئر. فلا توجد مطلقاتٌ تشمل صورة تغير الماء من دون ملاقاته للنجس حتى يحكم بنجاسته.
فلابدّ من الملاقاة. نعم، قلنا لا يعتبر في الملاقاة وقوع النجس كله في الماء كما أنّ للميتة خصوصيةٌ وهي تعفنها وتغير رائحة الماء بها، والجثة تطفو فوق سطح الماء غالباً، وقد يلاقي الماء بعضها ويقع بعضها الآخر خارج الماء.
ذكرنا في محله أنّ الروايات تشمل ما إذا وقع بعض الحيوان داخل الماء وبعضه خارج الماء ولا تقاس به تلك المسألة التي يذكرها السيد(ره) حول وقوع الطاهر والنجس في الماء وتغيره بمجموعهما، كما إذا وقع في الماء دمٌ وشيءٌ طاهرٌ أحمر فاحمرّ الماء بالمجموع، فإنّ هذا الماء لا يحكم بنجاسته إذ يعتبر في التغير حدوثه بواسطة عين النجاسة أو أوصاف النجاسة، والصبغ طاهرٌ لا ينجس الماء، فلا تدخل هذه المسألة تحت الروايات الحاكمة بالنجاسة.
الفرق بين محل البحث وبين تغير الماء بالدم والصّبغ الطاهر
إنّ الماء عند تغيره بمجموع النجس والطاهر، طاهرٌ مع أنّ النجس هنا جزء السبب في تغير الماء وليس تمام السبب، فالماء متغيرٌ بالدم والصّبغ وهذا الدم جزءٌ السبب، وربما يقال لا فرق بين هذا الفرع والفرع السابق حيث كان بعض الميتة داخل الماء وبعضه خارج الماء في الفرع السابق، والداخل في الماء جزء السبب في تغير الماء وليس تمام السبب. قلنا: نعم إنّ بعض الميتة جزء السبب وليس تمام السبب في الفرع السابق، ولكنّ الفرق يكمن في شمول الروايات وعدم شمولها.
فالروايات تشمل فرض ٱستناد التغير إلى عين النجس التي يكون بعضها المعتد به في الماء وبعضها خارج الماء، والتغير هنا مستند عرفاً إلى المجموع من الداخل والخارج، كما لو فرض وقوع رأس الميتة خارج الماء ونصف جثتها في الماء.
فالروايات تشمل هذا الفرض ولا تشمل تغير الماء بمجموع الطاهر وعين النجس، لأنّ ظاهر الروايات هو استناد التغير إلى النجس، واما ٱستناد التغير إلى المجموع من الطاهر والنجس فخارجٌ عن مدلول الروايات وقد مرّ سالفاً. والحمد لله رب العالمين.