بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الواحد والخمسون
هناك اشکالٌ علی کلام السید الحکیم(ره) الذي قال بإمکان الفرض الثاني في عبارة العروة، وهو ما إذا ألقي المضاف في ماء الکر وانقلب الماء المطلق مضافاً قبل استهلاك المضاف فیه ثمّ انقلب الماء مطلقاً بعد الاستهلاك؛ لأنّ الاستهلاك علی قسمین: الاستهلاك الانتشاري والاستهلاك بالخصوصیة، وهذا الفرض من موارد التأثیر بالخصوصیة حسب کلامه(ره).
وقد إستشکل(ره) بأنّ هذا مبنيٌ علی القول بأنّ الاستهلاك عبارةٌ عن انعدام الموضوع ونحن قلنا بأنّه لیس بانعدام الموضوع، بل هو عبارةٌ عن التبعیة الحکمیة.
وقد فرض السید الحکیم(ره) بأنّ الماء لم یبق ماءً وانّما تحول إلىٰ شيءٍ ثالث، ولا تشمل هذا الفرض أدلة الماء الذي «تبول فیه الدواب، تقع فیه الدم وأمثال ذلك» ولذلك یحکم بالتنجس فیه، ولا تشمل المقام ما تدل علىٰ مطهریة الاستهلاك ویحمل علی تنجس الماء.
هذا أولاً وأما ثانیاً فإنّه لو سلمنا التأثیر بالخاصیة حین إلقاء المضاف في ماء الکر فلا یعقل أن یکون التأثیر بالخاصیة دفعیاً، بل یکون تدریجیاً إذ یتغیر بعض أجزاء الماء بملاقاته لبعض أجزاء المضاف الأول، ثم یتغیر المقدار الباقي منه ولو بالتأثیر بالخاصیة بسبب ملاقاة الماءٍ لتتمة المضاف ولعدم امکان التغییر الدفعي فیخرج المقدار الاول من الاطلاق إلى الاضافة قبل استهلاك المضاف کله ثمّ تنتشر سائر اجزاء المضاف في الماء ولو بالتأثیر بالخاصیة فینقلب الماء المطلق مضافاً، والاستهلاك یحدث بعد خروج بعض الماء من الاطلاق إلى الاضافة.
ولا یعقل فرض الاستهلاك في جمیع أجزاء المضاف الأول واضافة الماء الثاني معاً في آنٍ واحدٍ لأنّ التأثیر لابدّ أن یکون تدریجیاً ولو بالخاصیة، ولا یستقیم هذا المعنی بظاهره أي الاستهلاك وخروج الماء من الاطلاق إلى الاضافة معاً في آنٍ واحد، وعلی تقدیر صحة ما فرضه(ره) في تصور التأثیر بالخاصیة لا تشمله الادلة الدالة علیٰ نفي القدح عند وقوع النجس أو المتنجس في ماء الکر.
فتلخّص مما ذکرنا أنّ الصورة الأولیٰ من هذه الصور الثلاث معقولةٌ، والصورة الثانیة وهي الصورة الأولىٰ في عبارة العروة صحیحةٌ علی بعض الوجوه کما قررنا في محله، وأما الصورة الثالثة فلیست معقولةً ویحکم فیها بالتنجس لما ذکرنا من أنّ الادلة الدالة علیٰ نفي القدح عند استهلاك النجس أو المتنجس في ماء الکر المعتصم لا تشمل هذه الصورة، وانما تشمل ما إذا انقلب الماء مطلقاً بعد الاستهلاك فیحکم بالتبعیة فیه لشمول أدلة الکر أو الجاري له.
وجوب الانتظار لانقلاب المضاف مطلقاً في بعض الموارد
مسألة 8: «إذا انحصر الماء في مضافٍ مخلوطٍ بالطین، ففي سعة الوقت یجب علیه أن یصبر حتی یصفو ویصیر الطین إلى الاسفل، ثمّ یتوضأ علی الأحوط وفي ضیق الوقت یتیمّم لصدق الوجدان مع السعة دون الضیق»[1].
یقول السید(ره) في المسألة الأخیرة من فصل المضاف بأنّه إذا کان لدی المکلف مضافٌ ککأس وحلٍ رقیقٍ جداً صدق علیه الوحل والمضاف ولم یصدق علیه الماء وکان طاهراً ولم یکن لدیه ماءٌ آخر حسب الفرض وانحصر التوضؤ أو الغسل به نفسه؛ یقول(ره): ففي سعة الوقت للصلاة یجب علیه أن یصبر حتی یصفو ویصیر الطین إلى الأسفل ویتحول الماء إلى المطلق ثمّ یتوضأ أو یغتسل به ویصلي، وإذا کان الوقت ضیقاً وکان الصبر لترسب الطین موجباً لفوت وقت الصلاة ولو بعض رکعاتها وجب علیه التیمم للصلاة.
صاحب العروة(ره) یمیّز بین سعة الوقت وضیقه ویری صدق وجدان الماء في سعة الوقت کما لو بقي ست ساعاتٍ لغروب الشمس وفرضنا أنّ الطین یترسب والماء ینقلب مطلقاً ویصدق وجدان الماء خلال نصف ساعةٍ وعندئذٍ لابدّ له من أن یصبر ویتوضّأ أو یغتسل به لأنّه یجد الماء ویتمکن منه بعد مضي نصف ساعة.
وأما في ضیق الوقت فیصدق علیه أنّه فاقدٌ للماء، ولا تأمل في وجوب التیمم علیه لانه حین قیامه إلى الصلاة لیس بواجدٍ للماء. والحمد لله ربّ العالمین.
[1]– سيد محمد کاظم يزدی، العروة الوثقى، (بيروت، مؤسسة الاعلمی للمطبوعات، چ2، ت1409ق)، ج1، ص29.