تطهیر المضافات (ج 50)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الخمسون

قد مرّ بأنّ في بعض الأحيان المضاف إذا ألقي في ماء الکر انقلب مضافاً قبل استهلاك المضاف كما كان مراد صاحب العروة(ره) هو خروج الملقیٰ فیه کلّه من الاطلاق إلى الاضافة قبل استهلاك المضاف الأوّل أي انقلب ماء الکر مضافاً ثمّ استهلك المضاف فهذا الفرض غیر معقولٍ کما أورد علیه النائیني(ره) لأنّ الاستهلاك یتصور في ما إذا بقي الملقیٰ فیه في الاطلاق ثمّ استهلك المضاف فیه، وبما أنّ الفرض هو اضافة الملقیٰ فیه قبل الاستهلاك فلا یمکن اجتماعهما. وإن کان مراد صاحب العروة(ره) هو ما إذا القي المضاف في الماء ولکن لم یختلط بجمیع اجزاء الماء، بل تغیّر بعضه وهو المقدار الذي القي فیه المضاف وانقلب هذا البعض مضافاً وبقي سائر الاجزاء في الاطلاق ثمّ انتشر المضاف شیئاً فشیئاً فیحکم بتنجس الماء إذا کان قلیلاً لأنّ غیر المتغیر من الماء کان أقلّ من الکر حسب ما فرضه صاحب العروة(ره): «لو ألقي في الکرّ»[1]؛ فیتنجس المقدار الباقي في الاطلاق لقلته وملاقاته للمضاف المتنجس، والمقدار الخارج من الاطلاق نجسٌ لا محالة لعدم استهلاکه في الماء، وهذا الفرض معقولٌ لا اشکال فیه. نعم، إذا کان المقدار الباقي في الاطلاق قبل الاستهلاك بمقدار الکر کما لو کان الماء بمقدار کرّین فانقلب أحدهما مضافاً دون الآخر ثمّ خرج الجمیع من الاضافة إلی الاطلاق فیحکم بطهارته ـ ولعلّ هذا الفرض خارجٌ من عبارة العروة؛ إنّما فرض العروة هو القاء المضاف المتنجس في الکر وخروج بعضه من الاطلاق بسبب الاضافة قبل الاستهلاك ثمّ حدوث استهلاك المضاف أي انتشاره في جمیع اجزاء الماء واستهلاك المضاف نفسه، ففي هذا الفرض یحکم بالتنجس لقلة ما بقي من الماء مطلقاً وتنجسه بملاقاة النجس، وهذا الفرض الثاني معقولٌ تصویره، ووقوعه في الخارج ممکنٌ؛ لأنّ القاء المضاف في ماء الکر یوجب تغیّر ماء الکر وإضافته شیئاً فشیئاً لا دفعةً أي یوجب اضافة بعض الماء ولا یجدي استهلاك المضاف وانتشاره في جمیع أجزاء الماء المطلق وخروجه من الاضافة لانه یکون أقلّ من الکر، والقلة توجب النجاسة.

امکان الصورة الثالثة من الاستهلاك في رأي السید الحکیم(ره)

وأما بالنسبة للصورة الثانیة في عبارة العروة وهي الصورة الثالثة في تقسیمنا فقد قال السید الحکیم(ره) بأنه فرضٌ معقولٌ لا اشکال فیه، وکأنّه(ره) قسّم الاستهلاك إلی قسمین،

أحدهما: هو انتشار أجزاء الشيء في أجزاء الماء وصحة اطلاق الماء المطلق علی المجموع من المنتشر والمنتشر فیه ویسمّیٰ ذلك بالاستهلاك الانتشاري.

ثانیهما: هو الاستهلاك بغیر الانتشار بأن ینعدم الشيء الذي ألقي في الماء؛ وذلك بسبب التأثیر والتبدیل بالخاصیة لا بسبب انتشار الاجزاء في الماء کما هو الحال في علم الکیمیاء وتکوّن شيءٍ ثالثٍ عبر التفاعل الکیمیائي، فینعدم الشيء الأول، ولکن یحوّل الشيء الثاني إلى شيء آخر، ویمکن أن یکون المقام من قبیل التأثیر بالخاصیة بحیث یخرج الماء من الاطلاق إلى الاضافة لا بانتشار اجزائه في الماء وتغیره، بل بسبب التأثیر وتحویله إلى شيءٍ آخر وانعدام المضاف في الآن الذي یتحول الماء حینه إلى شيءٍ آخر.

ولا یعتبر في الاستهلاك وانعدام الموضوع أن یکون المستهلك فیه ماءً؛ لأنّ الاستهلاك عبارةٌ أخرىٰ عن ذهاب الموضوع، وقد انعدم المضاف الأول بالاستهلاك وتحول الماء إلى شيءٍ ثالثٍ في آن الاستهلاك فتأثیره تأثیرٌ بالخاصیة ولا یعتبر بقاء الماء في الاطلاق فیما إذا کان الاستهلاك بنحو التأثیر بالخاصیة، وإنّما یعتبر بقاء الماء في الاطلاق في موارد الاستهلاك الانتشاري لکي یتحقق استهلاك المضاف فیها.

واما في الاستهلاك بالخاصیة فیمکن تحول الماء في آن الاستهلاك إلى جسمٍ آخر وإن کان مقدماً من حیث الرتبة؛ لانه من قبیل علةٍ أصابت الماء ـ فانعدام المضاف الأول وتحول الماء الثاني إلى شيءٍ آخر أمرٌ ممکن.

إشکالان علی کلام السید الحکیم(ره)

ویرد علیٰ کلامه اشکالان: أحدهما ما ذکرنا سابقاً من أنّ الاستهلاك لیس بمعنی انعدام الموضوع. نعم، لو قلنا باعتبار توجیهه(ره) فهو مبنيٌ علی القول بأنّ الاستهلاك عبارةٌ عن انعدام الموضوع کالاستحالة وحینئذٍ یصح أن نقول بأنّ المضاف قد انعدم وحوّل الماء إلى شيءٍ ثالث، وأما بناءً علی ما التزمنا من أنّ المضاف المستهلك موجودٌ في الماء في موارد الاستهلاك بالنظر العرفي وغیر المسامحيّ، ولکنّه تابعٌ لحکم الماء فلا وجه لکلامه(ره) وقد أشرنا إلى روایاتٍ وردت في کرٍّ تبول فیه الدواب والکلاب وأنّ البول موجودٌ فیه ولکنّه تابعٌ لحکم الماء واستفدنا من تلك الروایات بأنّ المضاف أو النجس القلیل تابعٌ لحکم الماء. والحمد لله ربّ العالمین.


[1]– سيد محمد کاظم يزدی، العروة الوثقى، (بيروت، مؤسسة الاعلمی للمطبوعات، چ2، ت1409ق)، ج1، ص29.