تطهیر المضافات (ج 47)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابع والاربعون

إنّ المراد من قوله (علیه السلام) في روایة السکوني: «لا یطهّر» يعني أنّ الماء «لا ینجس» والدلیل علی هذا المعنى هو القرینة المقامیة الدالة علی بیان فضیلة الماء وأنه لولا الماء لعاش البشر في الوساخة والقذارة الشرعیة فهو مطهرٌ ولا ینجس. نعم، قد خصص هذا العموم في بعض الموارد.

وأمّا حمل قوله (علیه السلام): «الماء یطهّر» علی مطهریة الماء لنفسه ولغیره، وحمل قوله (علیه السلام): «لا یطهّر» علیٰ عدم تطهیر الماء بغیر الماء بعد التنجس فهو خلاف الظاهر وإن صح الحمل علیٰ هذا المعنیٰ، وقد ذکرنا أنّ الروایة في مقام بیان مطهریة الماء وخصوصیته جعل الطهوریة له شرعاً بحیث یطهّر المتنجس وهو لا ینجس.

امکان الاستدلال بروایة السکوني في الحکم بطهارة الغسالة

لا یبعد التمسك بهذه الروایة للحکم بطهارة غسالة المتنجس في الموارد التي یطهر المتنجس بعد الغسل، کما في غسالة الغسلة الثانیة عند تطهیر الثوب المتنجس بالبول أو فیما یکفي الغسل مرةً واحدةً، وعدم اعتبار التعدد فیه، فهذه الغسالة محکومةٌ بالطهارة؛ لأنّ الماء المطهّر «لا یطهّر» أي لا ینجس. وامّا في الموارد التي لا یطهر المتنجس بعد الغسل فلا یحکم بطهارة الغسالة کما في غسالة الغسلة الأولیٰ عند تطهیر الثوب المتنجس بالبول، وسیأتي تفصیله إن شاء الله تعالیٰ.

هذا تمام کلامنا في طهارة المضاف بالاستهلاك، إما بانعدام الموضوع کما علیه الفقهاء، وإما بالتبعیة الحکمیة عرفاً ولا تحصل الطهارة إذا لم یحصل الاستهلاك عرفاً کما في الزیت ونحوه.

حکم ماء الکر عند خروجه عن الاطلاق بملاقاته المضاف النجس

یذکر صاحب العروة(ره) فرعاً من فروع الاستهلاك بقوله:

المسألة 7: «إذا ألقي المضاف النجس في ‌الکر فخرج عن الاطلاق إلى الاضافة تنجس إن صار مضافاً قبل الاستهلاك وإن حصل الاستهلاك والاضافة دفعةً لا یخلو الحکم بعدم تنجسه عن وجه، لکنه مشکل»[1].

الصور الثلاث للمسألة في المقام

ثمّ إنّ للمسألة صوراً ثلاثاً ذکر السید(ره) اثنین منها، ولم یتعرض للثالثة.

الصورة الأولی هي عبارةٌ عن القاء المضاف في الکر واستهلاکه فیه وصیرورة المجموع مطلقاً أولاً ثمّ انقلاب الکر مضافاً ثانیاً بعد مدةٍ وزمان، وهو نظیر ما إذا ألقیت میتةٌ في الحوض ولم یتغیر ماؤه الکثیر ثمّ اکتسب الماء رائحةً نتنةً بعد اخراج المیتة منه ومضي یومین مثلاً فالمیتة لم تغیر الماء وکان الغلبة للماء أولاً، ولکن ظهرت آثار المیتة بعد إخراجها ومضي فترةٍ من الزمان؛ والأمر کذلك فیما نحن فیه، کما لو ألقي الدبس[2] المتنجس في الماء الکثیر وتشتت الدبس واستهلك فیه وصدق عنوان المطلق علی المجموع ثمّ صار الماء شربةً بعد مدةٍ وزمان. أي خرج عن الاطلاق وهذه الصورة هي التي لم یتعرض لها صاحب العروة(ره) ویحکم فیها بطهارة الماء بلا شبهةٍ؛ لإنعدام الموضوع فیه وانتفائه؛ لأنّ المضاف النجس بعد ملاقاة الکر وقبل انقلاب الکر مضافاً قد حکم علیه بالطهارة لاستهلاکه في الکر، فإذا انقلب الکر إلی الاضافة فهو مضافٌ جدید «لم یلاق نجساً حتی یتنجس» ولا وجه للحکم بنجاسته؛ وذلك لشمول اطلاقات الطهارة له.

(جعفر التبریزي: ینبغي التأمل فیما قاله الأستاذ(ره)؛ لأنّ قسماً من الاشیاء النجسة تظهر آثاره بعد مضي زمانٍ علیه وان کان المناط هو التأثیر فقد أثّر المضاف لا محالة، سواءٌ بالفور کان التأثیر أم بالتأخیر، ومن هنا لو نظر شخصٌ إلى الماء لقال: قد تغیر هذا الماء بالمضاف النجس الذي ألقي فیه قبل أیام).

والحمد لله ربّ العالمین.


[1]– السید محمد کاظم الیزدي (العروة العوثقی، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط2، ت 1409ق)، ج1، ص29.

[2]– الدبس، بالکسر وبکسرتین، عسل التمر وعصارته…