بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (103)
فالعدم المحرزة حالته السابقة، هو عدمٌ، لعدم المقتضي أي عدم الوصف أو عدم المادة لعدم المقتضي، وعدم المادة لعدم المقتضي يغاير عدم المادة بعد وجود الماء؛ لأنّ الثاني ليس عدماً سابقاً، بل هو عدمٌ لوجود مانع، كما لو فرضنا حدوث فاصلٍ بين الماء النابع من الأرض وهذا الماء الموجود وانقطاعه عن المادة لعدم اتصاله به؛ إذ لابد من اتصال الماء بالمادة، فالمتقضي موجود، ولكن ربما حال بينهما حائلٌ أو طال الفصل بينهما وتمّ فضّ الارتباط بين الماء ومادته، وهذا بخلاف ما إذا لم يحدث الوجود للماء ولم يبق موجبٌ للكلام عن الاتصال ونحوه لعدم وجود المقتضي للاتصال. فهذان العدمان متغايران. والحاصل انهم لم يلتزموا بجريان الاستصحاب في مطلق الأعدام الازلية حسب ما بيّناه فقالوا لا يجري استصحاب هذا العدم السابق الذي كان مستنداً إلى عدم الموضوع، ويغاير هذا العدم عدم الوصف الذي ليس مستنداً إلى عدم الموضوع، بل له علةٌ اخرى، كما لو لم نعلم أنّ هذه المرأة في الخارج قرشيةٌ أو غير قرشية، فإنّ عدم قرشيتها السابق مستندٌ إلى عدم كونها موجودة، وهو المعبر عنه بعدم الوصف لعدم الموصوف، ولكنها موجودةٌ فعلاً، وحينئذٍ عدم قرشيتها حسب الفرض لا يستند إلى عدم الموضوع، بل مستندٌ إلى جهةٍ اخرى، فلعدم انتسابها إلى قريشٍ علةٌ اخرىٰ. وعلى هذا الأساس قد انكروا جريان الاستصحاب في مطلق الأعدام الازلية.
الاستناد إلى شيئين لا يوجب التعدد في العدم
إذ كان هذا هو الاشكال فدفعه واضحٌ جداً إذ لا اثنينية في العدم، فعدم المادة شيءٌ واحدٌ واستناده إلى عدم الماء تارةً وإلى شيءٍ آخر تارةً اخرىٰ لا يوجب التعدد في العدم، ثمّ إنّ عدم المادة شيءٌ واحدٌ كما أنّ عدم القرشية شيءٌ واحد؛ ولم تكن المرأة مخلوقةً فلم تكن قرشيتها موجودةً وما زالت لم تكن قرشيةً بعد أن خلقها الله. فعدم قرشيتها السابق واحدٌ لا يقبل التعدد والاثنينية، وبعبارةٌ اخرىٰ: نحتمل بقاء العدم الذي كان محرزاً في السابق فيستصحب عين ذاك العدم من دون أن يطرأ التعدد عليه، وعلى هذا نقول: إنّ هذا الماء لم يكن متصلاً بالمادة حين لم يكن موجوداً، ونحتمل بقاء عدم اتصاله بالمادة بعد وجوده، فيستصحب ذاك العدم من دون حدوث التعدد فيه.
التعدد في العدم لتأخر وجود الوصف عن الموصوف
قالوا: لا، هذان عدمان لأنّ وجود الوصف متأخرٌ رتبةً عن وجود الموصوف، فيوجد الموصوف أولاً ثمّ يوجد الوصف في الرتبة اللاحقة. إنّ عدم الوصف مع وجود الوصف أي النقيضين في رتبةٍ واحدة. فوجود الوصف متأخرٌ عن وجود الموصوف، وعدم الوصف في رتبة الوصف وظهر منه أنّ عدم الوصف أيضاً متأخرٌ عن وجود الموصوف؛ لأنّه في رتبة الوصف والوصف متأخرٌ فهذا العدم متأخرٌ أيضاً، وحينئذٍ المطلوب هو العدم المتأخر عن وجود الموصوف، والعدم الذي أحرزناه سابقاً وهو العدم الازلي سابقٌ على وجود الموصوف؛ إذ لم يكن الماء موجوداً فلم تكن المادة موجودةً، وعدم المادة عدمٌ أزليٌ سابقٌ على وجود الموصوف، وليس ما نطلبه هو هذا العدم، بل المطلوب لنا هو العدم المتأخر عن وجود الماء، فالعدمان متغايران.
وأجاب السيد الحكيم(ره) عن هذه الشبهة وقال: إنّ عدم الوصف متأخرٌ رتبةً عن وجود الموصوف، ولكنّ التأخر الرتبي لا ينافي التقدم الزماني، ومن الممكن تقدم عدم الوصف على وجود الموصوف من حيث الزمان، فالموصوف وهو الماء موجودٌ حالياً. وإنّ العدم الازلي سابقٌ على وجود الموصوف من حيث الزمان، ولكنّ ذاك العدم السابق على وجود الموضوع من حيث الزمان متأخرٌ رتبةً عن وجود الموضوع، ولا اشكال في التأخر الرتبي للعدم السابق زماناً، ولا منافاةً في البين لوقوع ذلك.
عدم تأخر عدم الوصف عن وجود الموضوع
إنّ الاستدلال على تعدد العدم لا يرجع إلى أساسٍ متينٍ حتى يندفع بجوابٍ رصين. نحن نعلم أنّ وجود الوصف متأخرٌ عن وجود الموصوف؛ لأنّ مفاد الوصف مفاد «كان الناقصة» فلابد في وجود الوصف من وجود الموضوع؛ إذ يلزم من وجود العرض دون وجود المعروض خروج العرض عن حقيقة عرضيته، والوصف عرضٌ ولا وجود للعرض من دون أن يوجد المعروض. فوجود الوصف متأخرٌ عن وجود الموصوف، لكن من ادعىٰ أنّ عدم الوصف متأخرٌ عن وجود الموضوع أيضاً؟ إذ ليس له تأخرٌ رتبيٌ أصلاً؛ لأنّ التأخر الرتبي حقيقةٌ تتعلق بوجود العرض ووجود المعروض، فالعرض في وجوده بحاجةٍ إلى الموضوع، وأما العرض في عدمه فلا حاجة له إلى المعروض، فمن قال ابتداءً إنّ عدم الوصف في رتبة وجود الوصف؛ لأنّ وجود الوصف متأخرٌ عن وجود الموضوع، فيلزم أن يكون عدم الوصف أيضاً متأخراً رجعت عبارته إلى أنّ «المساوي للمتأخر متأخرٌ» لأنّ عدم الوصف مساوٍ لوجود الوصف، ووجود الوصف متأخرٌ عن وجود الموصوف و«المساوي للمتأخر متأخر». هذه هي كبرى القياس، وكأنّ في المتأخر مناط التأخّر، وهو أنّ العرض لا وجود له من دون وجود المعروض، وأنّ وجود العرض بحاجةٍ إلى وجود الموضوع، أما عدم العرض المساوي لوجود العرض فلا حاجة له إلى وجود الموضوع؛ ولذلك لا يكون متأخراً عن الوجود، فنقول: هذا العدم أيضاً سابقٌ على وجود الموضوع من حيث الزمان، فعدم الوصف فاقدٌ لمناط التأخّر وسابقٌ زماناً، فنستصحب ونحكم بأنّ وصف الكرية أو وصف وجدان المادة لم يكن موجوداً سابقاً والآن كما كان.
فتبين أنّه لا يستقيم الالتزام بالتعدد في العدم، وتأخّر عدم الوصف، وكون العدم الاول سابقاً على وجود الموضوع زماناً إذ لا يبتني هذا الكلام على مناطٍ صحيح. والحمد لله ربّ العالمين.