بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (98)
لا يتم ما أفاده في التنقيح؛ لأنّ العرف لا يرىٰ الماء الجاري من الاعلى إلى الاسفل أو الجاري بالدفع متعدداً؛ إذ الاتصال مساوقٌ للوحدة، فلو سألت العرف عن الماء المراق على اليد من هذه الجهة لأجاب أنّه ماءٌ واحدٌ. فلا يسعنا الالتزام بتعدد الماء في المقام.
نعم، أوردنا كلاماً في بحث المضاف وقلنا: إنه إذا تميز الجزء الملاقي للنجس من المضاف عن غير الملاقي للنجس بالنظر العرفي، فلا دليل على انفعال غير الملاقي؛ لأنّ العرف يحكم بتغايرهما، والروايات الحاكمة بانفعال المضاف هي أخبارٌ واردةٌ في الزيت أو السّمن الواقع فيه النجس نحو قول الامام (عليه السلام): «إذا وقعت الفارة في السّمن فماتت فيه، فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك».
فالمضاف الذي لا ميزة بين جزأيه الملاقي وغير الملاقي لدى العرف لابد إما من الحكم بطهارة جزأيه معاً أو الحكم بنجاستهما معاً؛ لأنهما متحدان عرفاً، فالرواية تشمله، فإذا وقع النجس على أحد أطراف الدلو أو الطست وعدّ المضاف شيئاً واحداً حكم بنجاسة الجميع؛ إذ لا يمكن الفصل بين جزأيه عرفاً، وأما إذا كان متعدداً بالنظر العرفي، كما لو تعددت الأوعية وجرى المضاف من وعاءٍ إلى وعاءٍ آخر من خلال أنبوبٍ ضيق، أو صبّ الماء أو الزيت من الإبريق على يد الكافر، أو سال المضاف من طرفٍ إلى طرفٍ بقوةٍ ودفع، لم يحكم بنجاسة غير الملاقي للنجس؛ لأنّه مغايرٌ للجزء الملاقي عرفاً فلا تشمله الاخبار الواردة في انفعال المضاف.
والأدلة الواردة في انفعال المضاف كلّه بمجرد ملاقاته للنجس محمولةٌ على فرض عدم التغاير العرفي بين جزأيه الملاقي وغير الملاقي، كما في حكم الامام (عليه السلام) بالقاء الزيت أو الاستصباح به، وحرمة أكل شيءٍ منه، واما إذا تغاير الطرفان فلا دليل على نجاسة الجزء العالي من المضاف وإن اتحدا بالدقة العقلية، ولا تشمله الروايات؛ لأنّ مورد روايات الزيت ونحوه هو اتحاد الوعاء وركود السائل فيه كما مرّ، وأما في غيره فالدليل قائمٌ على نجاسة الطرف الملاقي للنجس فقط، ولا دليل على نجاسة الطرف الآخر.
قد خلصنا إلى هذا الحكم في المضاف، ولكن ليس من الممكن انطباق هذا الكلام في المقام؛ لأنّ ادلة انفعال الماء القليل وإن ورد بعضها في خصوص الاناء الذي «وقع فيه قذر»[1] أو حبّ الماء الذي «ماتت فيه الفارة»[2] إلّا أنّ هناك دليلاً أوسع وهو مفهوم أخبار الكر: «الماء إذا لم يبلغ كراً ينجسه شيء»[3] بمعنى أنّ المنجس لا ينجس الماء في حال كريته، بل ينجّس الماء الذي لم يبلغ قدر كر، والمفروض أنّ الماء واحدٌ لا تعدد فيه، ومقتضى هذا المفهوم هو تنجس جميع الماء، وقد ذكرنا: ليس من المستبعد أنّ الوحدة العرفية في المضاف أيضاً توجب انفعال الجميع وإن بلغ أكراراً، كما هو مدلول بعض الروايات كموثقة سماعة بن مهران: «وبإسناد الشيخ عن سعد بن عبدالله» وإسناده صحيحٌ «عن أبي جعفرٍ أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى» الذي وثّقه الشيخ «عن سماعة بن مهران» وهو واقفيٌ ولكنه ثقة «عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس بفضل السّنّور بأسٌ أن يتوضأ منه ويشرب ـ ولا يشرب سؤر الكلب ـ الا أن يكون حوضاً كبيراً يستقىٰ منه» سواءٌ كان سؤر الكلب ماءً أو لبناً، وسؤر الكلب هو ما لاقاه عضوٌ من جسم الكلب ـ كما سيأتي ـ «ولا يشرب سؤر الكلب الا أن يكون حوضاً كبيراً يستقىٰ منه» والاستقاء هو أخذ الماء، والمراد من الحوض الكبير هو الكر، فأسآر الكلب جميعها محكومةٌ بالنجاسة الا ماء الكر. فإذا جرى اللبن من العالي إلى السافل كي يجمع في وعاءٍ آخر وشرب الكلب من السافل تنجس جميع اللبن وفقاً لمقتضى الرواية وإن بلغ اللبن اكراراً، فالمضاف الواحد في حكم الماء القليل لقيام الدليل عليه.
ويمكن أن يناقش فيه ويقال: إنّ الرواية مختصةٌ بالماء ولا تشمل غير الماء بقرينة: «يتوضأ منه ويشرب» فلا يشرب سؤر الكلب أي لا يشرب ولا يتوضأ منه.
فالمراد هو الماء «الا أن يكون حوضاً يستقىٰ منه» أي يكون الماء كراً، لكن هذه المناقشة ضعيفةٌ؛ لأنّ «سؤر الكلب» مطلقٌ ولا يختص بالماء، ولو سلّم طرو النقاش في مسألة المضاف الجاري بعض اجزائه والالتزام بعدم قيام الدليل على نجاسة غير الجاري منه عند تنجس الجزء الجاري منه، فلا مجال للنقاش في الماء القليل؛ لانّه ماءٌ واحدٌ بالنظر العرفي ولا يجعله الجريان متعدداً وإن كان الجريان بالدفع و«الماء إذا لم يبلغ كراً ينجسه شيء». والحمد لله ربّ العالمين.
[1]– هذا مضمون الرواية.
[2]– هذا مضمون الرواية.
[3]– هذا مضمون الروايات الواردة في الماء القليل ومفهوم الروايات الواردة في ماء الكر.