بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (79)
إليكم كيفية الاستدلال: سنبحث عن موضوع الحمّام في باب ماء الحمّام إن شاء الله تعالى وسنقول: يظهر لنا من مفاد الروايات وما نشاهده من الحمّامات القديمة المتبقية في عصرنا أنّ الحمّام التقليدي يتكوّن من بناءٍ فيه خزانةٌ مملوءةٌ بالماء لا يدخلها أحد، ولا يؤخذ منها الماء بطريقةٍ مباشرة، وربّما يغلق بابها وفي الحمّام حياضٌ صغارٌ دون الكرّ غالباً، ومتصلةٌ بالخزانة، ويزوّد كلّ حوضٍ بصمّامٍ من خشبٍ أو غيره، قابلٌ للغلق والفتح، يسمح بالتّحكم في إخراج الماء من الخزانة وضخّه في الحوض، وقد ٱستبدل الصمّام بالصّنبور في زماننا، والناس يستعملون الماء الموجود في الحياض الصّغار، وهي متّصلة بالمادة، أي الخزانة التي هي بقدر الكرّ أو أزيد، فالماء الموجود في الحياض الصغار محكومٌ بحكم ماء الكرّ ومعتصمٌ لا محالة؛ لأنّه متّصلٌ بالكرّ، ويتنجّس بالملاقاة عند إغلاق الصّمام أو الصّنبور.
وٱستدل هذ القائل كما يلي: «سمعت رجلاً يقول لأبي عبدالله (علیه السلام): «إني أدخل الحمّام في السّحر، وفيه الجنب وغير ذلك فأقوم فأغتسل» والمراد من الاغتسال، هو المعنى اللّغوي له «فينتضح عليّ بعد ما أفرغ من مائهم» أي يترشّح عليّ من الماء المستعمل في الحياض الصّغار «قال: أليس هو جار؟» أي أليس متّصلاً بالخزانة التي يضخّ الماء منها؟ «قلت: بلىٰ. قال: لا بأس».
قال: ـ كما في التنقيح ـ إنّ إطلاق نفي البأس في كلام الامام (علیه السلام) يدلّ على عدم ٱشتراط الامتزاج في طهارة الماء المتنجّس؛ لأنّ سؤال الراوي يشمل صورة إغلاق الصّمام وتنجّس ماء الحوض الصغير بإصابة النجس له، ونفي البأس في جواب الامام (علیه السلام) يختصّ بما إذا كان الصّمام مفتوحاً وصار الماء جارياً فترشّح منه عليه، وهذا يقتضي عدم ٱعتبار الامتزاج فإنّ المادة بمجرد ٱتّصالها بماء الحياض لا تمتزج به.
عدم الارتباط بين موثقة حنانٍ ومحل الكلام في ماء الحياض الصّغار
لا يرتبط حكم هذه الموثقة بالحياض الصّغار في المقام. إذ لم يقل «فينتضح عليّ بعد ما أفرغ من ماء الحمّام» أو «من ماء الحیاض الصّغار» بل قال: «من مائهم» وظاهره هو الانتضاح من الغسالة؛ يغتسل الرّجل ويصبّ الماء على بدنه ثمّ ینتضح عليّ من الماء المصبوب على بدنه أو من المصبوب على الأرض، فالمنتضح في قول السائل هو المنتضح «من مائهم».
إذاً ظاهر الرواية هو الانتضاح إما من الماء المصبوب على البدن أو من الماء المصبوب على الأرض كما هو المعمول في الحمّام، حيث يقف المغتسل ويصبّ الماء على رأسه من ماء الحوض الصّغير فينتضح عليّ من الماء المصبوب على الأرض، ويسأله الامام (علیه السلام): «أليس هو جار؟» أي هل الماء جارٍ على أرض الحمّام أو لا؟ فلا بأس إن كان جارياً؛ لأنّ الماء المأخوذ من الحوض طاهرٌ، والغسالة طاهرةٌ كما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ في أحكام الغسالة، وأنها تطهّر أرضية الحمّام إن كانت الأرضيّة نجسة. فلا بأس بالانتضاح من الغسالة الجارية على أرض الحمّام، ويحكم بنجاستها إذا كانت غير جارية، وكانت الأرضية نجسةٌ، ونرجع إلى أصالة الطهارة ونحكم بها إذا ٱحتملنا النجاسة.
ونفي البأس في كلام الامام (علیه السلام) راجعٌ إلى بيان الطهارة الواقعية، فالماء إذا كان جارياً على أرض الحمّام كان طاهراً ومطهّراً للأرضية النجسة. نحن نقول: إنّ ما ذكرنا هو ظاهر الرواية ولا صلة لها بطهارة ماء الحياض الصّغار بمجرد الاتّصال بالمادة والانتضاح من الحوض الصّغير. ليس الأمر كذلك، بل المراد هو الانتضاح من الماء المستعمل.
وهنا نذكر أمراً لم نتطرّق إليه سالفاً وهو يؤيّد ظهور الرواية فيما أفدناه.
إنّ صاحب الوسائل(ره) لم يذكر هذه الموثقة في باب روايات الحمّام، بل ذكرها في بحث الغسالة حيث قال: «حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما ينتضح من قطرات ماء الغسل في الإناء وغيره وحكم الغسالة».
ذكر صاحب الوسائل(ره) هذه المسألة في باب حكم الغسالة؛ لأنّه(ره) قد فهم ما فهمناه من الموثقة وعلم أنّ المراد هو الانتضاح من الغسالة.
فلا دخل لهذه الموثقة بما ذكر في التنقيح. والحمد لله ربّ العالمين.