بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس والخمسون
کان الکلام في انفعال ماء الکر المطلق إذا تغیر ریحه أو لونه أو طعمه بوقوع عین النجس فیه، کما ورد في قوله (علیه السلام) في صحیحة حریز بن عبدالله: «فإذا تغیر الماء وتغیّر الطّعم» الواو هنا بمعنی «أو» وهو من قبیل عطف الخاص علی العام أي «فإذا تغیّر الماء أو تغیّر الطعم فلا توضّأ منه ولا تشرب».
ونقل الکلیني (قدس سره) هٰذه الروایة في الکافي «عن علي بن ابراهیم، عن أبیه» صاحب التفسیر علي بن ابراهیم القمي عن أبیه «وعن محمد بن اسماعیل عن الفضل بن شاذان» وقد روی الکلیني (قدس سره) روایاتٍ کثیرةً عن محمد بن اسماعیل، ومحمد بن اسماعیل ینقل دائماً عن فضل بن شاذان، والظاهر انه فضل بن شاذان البندقي، وهو ثقةٌ «جمیعاً عن حمّاد، عن حریز، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله (علیه السلام)».
وهٰذه الروایة مرسلةٌ کما رواها الکلیني؛ لأنّ حریزاً ینقل عمّن أخبره عن أبي عبدالله (علیه السلام) وبناءً علی روایة الشیخ أنّ حریزاً ینقل عن أبي عبدالله (علیه السلام) نفسه لا «عمّن أخبره» ولذٰلك یمکن أن یشکل في سند هٰذه الرواية وقد أشکل فیه وربما یقال بأنّ الإشکال في محلّه. فقد قالوا بأنّ نقل الکلیني(ره) قرینةٌ علی أنّ حریزاً ینقل عن راوٍ آخر وإن کان له روایاتٌ نقلها عن الامام الصادق (علیه السلام) بلا واسطةٍ، ولٰکن لا یبعد أن ینقل روایةً عن الامام (علیه السلام) مع الواسطة. والحاصل أنّ حریز بن عبدالله ینقل عمّن أخبره في نقل الکلیني، ونحن لا نعرف الواسطة ولا نعلم من أخبره؛ هل هو ثقةٌ ومعتمدٌ علیه أم غیر ثقة؟ الله العالم؛ فتسقط الروایة عن الاعتبار من حیث السّند بناءً علیٰ هٰذا الاشکال والتّوهّم.
لٰکن لا یتمّ ذٰلك؛ لأنّ في نقل الروایات مواضیع متعددةً ینقل فیها شخصٌ حکماً عن الامام (علیه السلام) بلا واسطة، وربما ینقل نفس ذٰلك الحکم عن الامام (علیه السلام) مع الواسطة، والسّرّ في ذٰلك هو ما یحدث أحیاناً من أنّ راوي الحدیث ـ کحریزٍ الذي هو صاحب الکتاب ـ یسمع حکم الامام (علیه السلام) من راوٍ آخر ثمّ یتشرّف بمحضر الإمام (علیه السلام) ویسأله مباشرةً ویسمع الحکم من الامام (علیه السلام) فیروي کلا النقلین أي یروي عمّن أخبره بذٰلك ولعلّه لا یعرف اسمه فینقله مرسلاً ویروي عن نفس الإمام (علیه السلام) أیضاً وکثیراً ما حدث هٰذا الأمر.
هناك روایاتٌ کثیرةٌ في التهذیب نقلها حریز بن عبدالله مباشرةً عن الإمام (علیه السلام) وتلك الروایات نفسها منقولةٌ مع الواسطة وعمّن أخبره في الکافي. نعم، یمکن أن یقال إنّ الشّیخ في التهذیب قد أخطأ وأسقط الواسطة في النقل، وهٰذا الاحتمال في محلّه لأنّ الشّیخ في التهذیب دأب علی مثل ذٰلك، ولٰکننا مکلّفون بالعمل بظاهر النقل، وظاهر نقل الشیخ هو نقل حریزٍ عن الإمام (علیه السلام) مباشرةً ولا قرینة علی خلافه لأنّ نقل الکلیني لا یصلح أن یکون قرینةً علیٰ خلافه ولا یوجب الاطمئنان ولا یوجب العلم ولا یعدّ قرینةً عرفیةً یعتد بها في نقل الأحادیث.
فهٰذه الروایة معتبرةٌ من حیث السّند ولا إشکال فیه وهٰذا نصّها: «کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ من الماء واشرب فإذا تغیّر الماء وتغیّر الطّعم فلا توضّأ منه ولا تشرب».
المراد من التغیّر في الروایة
بقي في هٰذه الروایة إشکالٌ وافق علیه صاحب المدارك(ره)[1] ظاهراً وهو أنّ التغیّر في قوله (علیه السلام): «فإذا تغیّر الماء» لا ینحصر باللّون والریح والطّعم، بل المراد منه مطلق التغیّر، وقد جاء في الروایة «تغیّر الطعم» من دون ذکر اللّون والریح فیکون المناط مطلق التغیّر بناءً علی کونه من باب عطف الخاصّ علی العام، وعلی هٰذا لا تدلّ الروایة علیٰ تغییر خصوص اللّون والطّعم والرائحة.
قد ورد هٰذا الإشکال، والعلاج هو الرّجوع إلی هٰذه الروایة بعد استنباط تفاصیل الحکم من سائر الروایات. إذن المستفاد منها هو أصل تغیّر الماء وحسب، من دون تفصیلٍ بین الرّاکد وغیر الرّاکد والجاري والبئر وغیرها، وهٰذا التغیّر موجبٌ للحکم بالنجاسة ویستفاد التغیّر في الرّیح واللّون والطّعم من سائر الروایات.
دلالة صحیحة إبراهیم الیماني علی محل الکلام
وأما صحیحة إبراهیم بن عمرٍو الیماني عن أبي خالدٍ القمّاط، ولا یبعد اعتبار أبي خالدٍ القمّاط. «وبالإسناد عن سعد بن عبدالله» ینقل الشّیخ (قدس سره) هٰذه الروایة بسند المفید(ره) «عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید، عن أبیه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عیسی، عن العباس بن معروف» وهم من الأجلّاء «عن حماد بن عیسی» وجلالته واضحةٌ «عن إبراهیم بن عمرٍو الیماني، عن أبي خالدٍ القمّاط».
الإشکال الموجود في هٰذه الروایة من حیث الظاهر هو أنّ محمّد بن محمّد بن النعمان ینقل عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید، عن أبیه. ومحمّد بن الحسن بن الولید هو أستاذ الصّدوق(ره) معروفٌ ومن الأجلة ونقّاد الرجال، عظیمٌ وجلیل القدر وله ابنٌ اسمه أحمد، وکثیراً ما ینقل الروایات عن أبیه وینقل المفید وغیره عن الابن، ولٰکن لم یثبت توثیقٌ لأحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید، وکذٰلك محمّد بن یحیی العطّار شخصٌ جلیل القدر، والکلیني(ره) ینقل عنه کثیراً في الکافي، وهٰذا یدلّ علی شدّة اعتماده علیه ولمحمّد بن یحیی العطّار ابنٌ اسمه أحمدٌ لم یثبت توثیقٌ له أیضاً. إذن لم یثبت توثیقٌ لأحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید، ولا لأحمد بن محمّد بن یحیی العطّار؛ ولذٰلك اشکلوا في الروایات التي یقع أحدهما في سندها وقالوا بعدم اعتبارها، ونحن سنجیب علی هٰذه المناقشة إن شاء الله تعالی، ونقول بعدم ثبوت توثیقٍ لهما، ولٰکن لا یقدح ذٰلك في اعتبار صحیحة «إبراهیم بن عمرٍو الیماني، عن أبي خالدٍ القمّاط» لأنّ للشیخ(ره) سنداً آخر.
نص الروایة ما یلي: «عن أبي خالدٍ القمّاط أنه سمع أبا عبدالله (علیه السلام) یقول في الماء یمرّ به الرّجل وهو نقیع فیه المیتة والجیفة» النقیع هو الماء المترشّح من الأرض والمجتمع في الحفر، «فقال أبو عبدالله (علیه السلام) إن کان الماء (فیه المیتة والجیفة) قد تغیّر ریحه أو طعمه» الرّیح والطّعم مذکوران هنا «فلا تشرب منه ولا توضّأ منه، وإن لم یتغیّر ریحه أو طعمه فٱشرب وتوضّأ». وکأنّ سبب نقاش صاحب المدارك(ره) هو عدم ذکر اللّون في هٰذه الروایة والروایة السابقة وهي روایة حریزٍ الدّالة علی مطلق التغیّر. فلابدّ من إثبات أمرین:
أحدهما: کون اللّون من الأوصاف الثلاثة وأنّ تغیّره موجبٌ للنجاسة.
ثانیهما: عدم کفایة مطلق التّغیّر في النجاسة ولزوم التّغیّر في أحد الأوصاف الثلاثة.
وسنقوم بإثبات هٰذین الأمرین إن شاء الله تعالی. والحمد لله ربّ العالمین.
[1]– ان السید الخوئي(ره) نقل نسبة هذا القول إلى صاحب المدارك(ره) ولکن حسب ما تتبعناه ناقصاً في المسألة المذکورة في المدارك رأینا ان العبارة السابقة والکلام المنقول هنا یکونان علی خلاف ما نسب إلیه…